قلت له بصوت طغى على كل الضجة وأسكتها: مالك؟
قلتها بحقد حقيقي وجدته ينفجر في نفسي كما ينفجر الدمل، حقد على الأوضاع التي تجعل من أمثاله زعماء للعمال وسكرتيرين، الأوضاع التي تجعل من الأطباء لصوصا ومرتشين، والقرارات التي تصدر وتجبر الناس على التحايل والكذب وطرق الأبواب الخلفية، وتخلق من الأبرياء أعداء وهميين.
قال بفظاظة: عيان.
كان السكون قد عم الحجرة وخارجها، سكون ملتهب فائر كسكون الظهيرة، سكون جمهور غير محايد، ولكن كلمة «عيان» حتى مع أنها قيلت بفظاظة وأعلم سلفا كذبها، إلا أنها ردتني إلى عملي فورا وجعلتني أسقط من وعيي أي اعتبار آخر سوى أن الذي أمامي عامل مبلغ بمرضه، وأني مجرد طبيب للورش، بل أكثر من هذا جعلتني الكلمة أصمم أن أواجه الموقف كله كطبيب عليه ألا يغضب أو يواجه التحدي بالتحدي أو يعادي من أمامه حتى لو عاداه من أمامه.
وعادت إلى صوتي طبيعته وبساطته وقلت: عندك إيه؟
وانقلبت فظاظته إلى غطرسة وقال: أمال أنا جايلك ليه؟ أمال دكتور إيه؟ أنت اللي تعرف أنا عندي إيه مش أنا.
قلت وكأني لم أر شكله ولم أسمع لهجته: يعني بتشتكي من إيه؟
قال بغطرسة أكثر: أهو كل جسمي تاعبني. - يعني ما فيش حاجة معينة تاعباك؟ - قلتلك كل جسمي تاعبني. - طيب نشوفك.
قلتها وأنا أشير لعم مرسي أن يخلي منضدة الكشف من الواقفين عليها والجالسين، ثم أشرت له أن يذهب ويخلع ملابسه ويرقد.
ولمحت الغيظ يغلي داخله؛ إذ لم أعطه بكلامي أو بتصرفاتي حجة ولو واهية يستطيع أن يقيم معها المشهد الذي استعد له، بل لم أعطه الفرصة حتى ليعصي أمري، وذهب ليرقد على المنضدة، وبإخلاص حقيقي لعملي كشفت عليه، ولم أجد به - كما توقعت - أي مرض أو شبه مرض.
نامعلوم صفحہ