وقد روي لنا أن الوليد بن عبد الملك وأخاه مسلمة تنازعا ذكر الليل وطوله، ففضل الوليد أبيات النابغة في وصف الليل، وفضل مسلمة أبيات امرئ القيس؛ فحكَّما الشعبي بينهما، فقال الشعبي: تنشد الأبيات وأسمع، فأنشد للنابغة:
كليني لهم يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب
تطاول حتى قلت ليس بمنقض ... وليس الذي يرعى النجوم بآيب
وصدر أراح الليل عازب همه ... تضاعف فيه الحزن من كل جانب
ثم أنشد لامرئ القيس:
وليل كموج البحر أرخى سدولهُ ... عليَّ بأنواع الهموم ليبتلي
فَقُلْتُ لَهُ لما تَمَطّى بصلبه ... وأردَف أعجازًا وناءَ بكلْكلِ
ألا أيها الليل الطويل إلا انجلي ... بصبح وما الإصباح منك بأمثل
فيالك من ليل كأن نجومه ... بكل مغار الفتل شدت بيذبل
قال فركض الوليد برجله، فقال الشعبي: بانت القضية.
قلت: افتتاح النابغة قصيدته بقوله:
كليني لهم يا أميمة ناصب
متناه في الحسن، بليغ في وصف ما شكاه، من همه وطول ليله. ويقال إنه لم يبتدئ شاعر قصيدة بأحسن من هذا الكلام. وقوله: وصدرٍ أراح الليل عزب همَّه
1 / 62