بطل فاتح ابراہیم
البطل الفاتح إبراهيم وفتحه الشام ١٨٣٢
اصناف
وهذا كل ما كان يطلبه، ولكن فلنباعد بينه وبين أملاك السلطنة حتى لا يكون احتكاك بين هاتين القوتين، وأما إذا ظلت ولاية سوريا في بيت محمد علي فكيف تستطيع أوروبا أن تقول إنه لا يقع بعد ذلك حادث يقطع هذا الخيط الضعيف الذي ربط تلك الولايات بتركيا؟»
وأرسل بعد ذلك سفير فرنسا في لندن إلى وزير خارجيته عن سياسة إنكلترا مع محمد علي يقول: «إنها تريد اتباع سياسة الإكراه نحو محمد علي، إما ليرجع الأسطول التركي الذي انضم إلى أسطوله، وإما لحمله على قبول ولاية مصر وحدها بالتوارث. وإن قاعدة سياسة بالمرستون التي يكررها بلا انقطاع أنه يجب اتخاذ الوسائل التي تجعل محمد علي عاجزا عن الإضرار، وعن أن يجعل ضرباته قاضية على تركيا.»
وظلت المفاوضات دائرة بين الدول بهذا الصدد حتى شهر أكتوبر، ولكنهم لم يصلوا إلى نتيجة، وحينئذ رأى بالمرستون أن يقرب بين نظريته ونظرية فرنسا، فاقترح على فرنسا في 3 أكتوبر أن تضاف إلى ولاية مصر بالتوارث باشاوية عكا، ما عدا قلعة عكا التي تظل تحت حكم الباب العالي؛ لأنها مفتاح سوريا، وأن تبتدئ الحدود من جبل الكرمل المشرف على خليج عكا إلى طبريا، ومن هناك تنحني إلى خليج العقبة إلخ، حتى تظل طريق الحج في يد السلطان، أو بالأحرى في يد الخليفة. ولكن الحكومة الفرنساوية التي كان عليها أن تقبل هذا التساهل لم تستطع قبوله في نظر الوزير فرسينه، متابعة للرأي العام الفرنساوي الذي بات وهو لا يقبل قولا في مؤازرته لمحمد علي؛ لأن انتصارات إبراهيم السريعة ملكت عليه مشاعره، وأصبح اسم سوريا لا يقبل في نظر الرأي العام الفرنساوي انفصالا عن اسم إبراهيم. فكان يرى أن من الظلم الفاحش حرمانه من فتوحاته، وكانوا فوق هذا كله يقدرون قوته الحربية فوق ما هي في الحقيقة، فلم يحسبوا لضعف خصمه حسابا في القتال؛ لذلك كان الفرنساويون يعتقدون بأنه مع القليل من المساعدة يلقاها من فرنسا يستطيع الوقوف في وجه أوروبا.
ويقول لنا سفير فرنسا في لندن، الجنرال سبستياني، إنه عندما أعرب للورد بالمرستون عن هذه الآراء، أجابه الوزير بقوله: «وأنا أستطيع أن أصرح لك - باسم مجلس الوزراء - أن التساهل الذي أبديناه بإعطاء محمد علي قطعة من باشاوية عكا قد قررنا سحبه.» ولما أراد السفير مواصلة البحث والمناقشة قابله الوزير الإنكليزي بالصمت والإعراض. وظنت حكومة فرنسا أن تغيير سفيرها في لندرة بآخر أكثر ميلا إلى محمد علي، قد يستطيع التأثير على اللورد بالمرستون ويجد الحجة المقنعة، فأوفدت في هذه المهمة المسيو غيزو الذي دافع عن محمد علي من على منبر مجلس النواب، فيكون الرأي العام راضيا عن تعيينه واثقا به. فلما قابل الوزير الإنكليزي المقابلة الأولى قال له بالمرستون «إنه سيجعل في دائرة تفكيره جهد ما تصل إليه طاقته، من التساهل مع محمد علي إرضاء لفرنسا، وليحملها على قبول مبادئ الاتفاق الذي يوضع بهذا الصدد، وأنه لا يقرر شيئا تقريرا نهائيا قبل اطلاعه عليه.»
وفي أول مارس سقطت وزارة المارشال سولت وقامت وزارة تيرس، ولم يكن أقل ميلا إلى محمد علي من خلفه، فحاول السفير أن يحمل اللورد بالمرستون على التساهل، واستعان بزميله سفير روسيا وسفير النمسا؛ لأنهما كانا أقل صلابة من اللورد بالمرستون. إلى أن كان 5 مايو، فاقترح برأي حكومته أن تقسم سوريا بين محمد علي والسلطان، وأن يعطى محمد علي باشاوية عكا حتى حدود باشاوية دمشق وطرابلس. ولما قابل سفير النمسا اللورد بالمرستون، قال له اللورد إنه يسلم باقتراح النمسا لتنضم فرنسا إلى الدول، فإذا أبى محمد علي قبول ذلك، فإن النمسا تنضم إلى إنكلترا وروسيا لاستخدام وسائل الإكراه. ولكن المسيو تيرس أجاب في 11 مايو أن محمد علي - على ما نعرف من ميوله - لا يسلم بذلك.
وفي الحقيقة إن محمد علي كان يقول لقناصل الدول إنه لا يقبل الشروط التي يقترحونها، وإنه لا يتردد في مجابهة الدول؛ فيسلم بلاد العرب لشريف مكة، ويزيد جيشه مائة ألف، ويصدر الأمر إلى إبراهيم بالزحف على قونيه. ولما أصدر الأمر إلى إبراهيم في ذلك، رد إبراهيم باشا على والده في 4 سبتمبر أنه لا يوجد وجه لمعاندة الدول الآن؛ لأنه لا يستطيع الاعتماد على جيش الحجاز لما تولاه من التعب. وكيف يكون بالإمكان نقله إذا حصرت إنكلترا السواحل، فضلا عن وجود عناصر الفوضى والفتن في سوريا. فإذا ظهرت مراكب الدول ضد المصريين في سواحل سوريا، قطعت المواصلات عن جيشه في الأناضول.
وتلا ذلك تقارير الولاة عن أن الرسل الأجانب يملئون سوريا، وأنهم يحرضون الأهالي ويبذرون الأموال على أصحاب النفوذ بغير حساب، ويهربون لهم السلاح.
وفي إبان ذلك كله، كان محمد علي قد طلب عزل خسرو باشا من الصدارة؛ لأنه عدوه الذي يحول دون مصالحته مع الباب العالي، وقال: «إن خسرو باشا لو لم يكن موجودا لذهب هو ذاته إلى إستامبول واتفق مع رجالها على وجوه إصلاح الدولة والنهوض بها.»
فلما عزل خسرو باشا ارتاحت فرنسا إلى ذلك، وظنت أن مصالحة محمد علي مع الباب العالي باتت سهلة؛ لأن محمد علي رضي بأن يعيد الأسطول للسلطان. فإذا تم هذا تفادت الدول عن عقد مؤتمر في لندن، ولكن إنكلترا لم تنظر إلى ذلك بعين الرضا، بحجة أن فرنسا تلعب دورها في الخفاء وتتجاوز عن الدول الأخرى، وبذلك تكون فرنسا قد قضت على مذكرة الدول بتاريخ 27 يوليو سنة 1839، وقد نالت وحدها الفوز في الإسكندرية والآستانة دون الاتفاق مع إنكلترا والدول الأخرى.
وهذه الأسباب كلها دعت اللورد بالمرستون إلى أن يعجل بالعمل الحاسم. فبعد الاتفاق مع زملائه الوزراء ومع سفراء الدول الأربع، استدعى إليه سفير فرنسا في 17 يوليو وسلمه مذكرة مكتوبة، وقال له عند تسليمها إنه لم يشأ أن يقول له ما ورد في هذه المذكرة مخافة أن تبدر كلمة تخالف رأيه وفكره. وهذا نص المذكرة:
نامعلوم صفحہ