بطل فاتح ابراہیم
البطل الفاتح إبراهيم وفتحه الشام ١٨٣٢
اصناف
وأبلغت الباب العالي في الوقت ذاته أن إصراره على القتال لا يوصله إلى نتيجة؛ لضعف قوته دون قوة محمد علي التي تتزايد بحرا وبرا.
هذا البلاغ أبلغته فرنسا لمحمد علي، ولكن عين إبراهيم كانت على الترك بعد احتلاله أطنه ومعابر جبال طوروس؛ لأنهم أخذوا بتحصين «تشفت خان، وأولو قشلاق»، ويبدون النشاط في كل جهة؛ حتى إن الباب العالي رفض وساطة فرنسا بحجة أنه لا يستطيع المصالحة مع وال اعتبره بالأمس ثائرا وعاصيا، وأصدر فتوى بكفره.
ذلك كان الرد الرسمي، مع أنه أرسل إلى محمد علي أكثر من مرة يمنيه بالصلح والرضا ويطلب منه الحضور للآستانة، فيلمح محمد علي في ذلك الخديعة ونصب الشراك.
فقد ذهبت إلى الآستانة زهرة هانم أرملة الأمير إسماعيل، ثالث أولاد محمد علي، لزيارة والدها عارف أفندي قاضي عسكر الأناضول، فقالوا إنها رسول محمد علي للتقرب من السلطان ورجال الدولة بواسطة والدها. وقد توصلت الأميرة إلى معرفة الحقيقة؛ وهي أن السلطان لا يريد الصلح، وأنه لا يستمع نصيحة أحد فيه لاعتماده على روسيا وإنكلترا مع كل أعماله في هذا السبيل، يريد منها المماطلة والتسويف ليؤلف قوته الجديدة. وأرسل محمد علي السفينة الحربية «النيل» لتعود عليها إلى مصر، فأتحفها السلطان بالهدايا النفيسة، وتبرع بالمال لرجال السفينة، وأرسل معها أحمد فوزي باشا أحد أميرالاية البحر، فلما وصلت السفينة إلى الإسكندرية تغافل محمد علي عن وصول فوزي باشا، ولكنه أمر كاتم سره حبيب أفندي بإكرامه. وظل فوزي باشا في الإسكندرية إلى أن تلقى أمرا من السلطان بالسفر إلى القاهرة ومكالمة محمد علي بالصلح. وجمع السلطان ديوانه وأبلغهم ذلك، فكان جواب أحدهم برتو باشا أن ذهاب فوزي باشا إلى مصر لمقابلة محمد علي كذهاب الحمل إلى الذئب الكبير المعمر في وكره ليعوده ويتمنى له الصحة، فهل تكون للحمل من أمنية إلا السلامة من مخالبه؟
ثم اتفقت كلمتهم على إرسال صارم أفندي، فلما استدعى فوزي باشا إلى الآستانة أرسل إلى محمد علي يقول: «إياك وخفض الجناح لمن يرسل إليك، واحفظ عليك نفسك.»
ووصل صارم أفندي بحاشية كبيرة، فأكرم محمد علي وفادته. وكان يتردد على محمد علي ليقنعه أولا بالذهاب إلى الآستانة، ثم عرض عليه ولاية عكا وطرابلس، فأجابه محمد علي أنه يطلب بقاء ما فتحه من بلاد الشام في ولايته وولاية ذريته على أن يدفع الإتاوة لجلالة السلطان.
ولما عاد صارم أفندي إلى الآستانة تلقى محمد علي أن السلطان يوليه مصر وعكا وطرابلس، ويولي إبراهيم ولاية الحرمين الشريفين، فأدرك محمد علي أن المراد التفريق بينه وبين ابنه كما أرادوا يوم أنعم السلطان على إبراهيم برتبة فوق رتبة والده مثل هذا التفريق. ولكن الخدعتين لم تجوزا على محمد علي ولا على إبراهيم، وكان جواب محمد علي أنه ينتظر مندوبا من لدن السلطان ليرسل لمناقشة سامي بك وبوغوص يوسف سكرتيره، فلم يتلق جوابا. •••
لما احتل إبراهيم باشا أدنه، أبقى معه من جيشه فيها 12 ألفا من المشاة والفرسان، وأرسل قواته لضبط معابر جبال طوروس. وما كان وقوفه في أدنه إلا إطاعة لأمر والده الذي أراد أن ينهي الخصام والقتال مع السلطان، على أن تكون سوريا في ولايته، وعلى أن تكون الولاية متوارثة في بيته مقابل إتاوة يدفعها في كل سنة لتركيا.
على أن إبراهيم لم يضع الوقت سدى؛ فقد انصرف إلى إصلاح أمور جيشه وتعزيز ذلك الجيش، وكتب المسيو ميمو قنصل فرنسا في الإسكندرية إلى حكومته في 24 سبتمبر يقول: «إن الأسباب التي دعت إبراهيم إلى الوقوف في أدنه وإلى عدم متابعة نجاحه هو انتظار الجواب من والده على بعض المسائل، وأن والده ينتظر الجواب على مساعيه لإنهاء القتال. ولكن هذا القائد الذي لا مثيل لنشاطه وحزمه يستخدم مدة إقامته في ذلك الإقليم لاستخراج خيرات غاباته الكثيفة؛ لأن في أحراج أدنه من الأخشاب الصالحة لبناء المراكب ما لا يوجد في سواها، ودار الصناعة في الإسكندرية بحاجة شديدة إلى ذلك. وقد أرسل عدد كبير من عمال دار الصناعة لاختيار الأخشاب الصالحة، وجمع إبراهيم سكان ذلك الإقليم لقطع الأشجار التي يرى عمال دار الصناعة قطعها، ولفتح الطرقات في أنحاء ذلك الإقليم ونقل الخشب، وينتظر أن تصل إلى الإسكندرية بين ساعة وأخرى مشحونات كبيرة.
وأما تعزيز الجيش، فهو موضوع اهتمامه، فإذا استؤنف القتال كان جيشه 120 ألفا، حتى قال لي محمد علي منذ بضعة أيام إنه ينوي أن يجعل جيشه 25 آلايا من المشاه بدلا من 20 آلايا، و15 آلايا من الفرسان بدلا من عشرة، ولا يدخل في هذا الحساب فرسان العرب المصريين ولا رجال البدو السوريين، وقد أدمج إبراهيم في جيشه من الأسرى الترك أربعة آلاف أسير.»
نامعلوم صفحہ