بطل فاتح ابراہیم
البطل الفاتح إبراهيم وفتحه الشام ١٨٣٢
اصناف
أما أنا فإني - فوق إجلالي لعمله - أشكره لأنه مكنني في ختام العام من أن أضع زهرة الذكرى على ضريح هذا الفقيد العزيز.
أنطون الجميل
تمهيد
هل ندري ونحن نمر أمام ذلك التمثال في ميدان الأوبرا أمام أية قوة من قوات البطولة نمر؟ وهل نعرف أن هذا التمثال سفير كبير لأجل صفحة من صفحات التاريخ؟ وهل نعرف أنه يجب علينا أن نقف أمامه ذاكرين، وأن نعلم أولادنا من هو صاحب التمثال، فإذا علمناهم حببنا إليهم البطولة وعلمناهم تاريخ مصر الحديثة، بل تاريخها المجيد؟
أندري إلى أي حد بلغ جهل العامة، فقدموا ذكر الحصان على راكبه، فيضربون الموعد للقاء عند «الحصان» أو في القهوة أمام «الحصان»، وتعلو الفلاحات الساذجات فوق الكافة، فينظرن إلى الفارس لا إلى الفرس، ويقلن إذا ما تحدثن عنه: «المادد إصبعه»!
أندري إلى ما تشير تلك اليد الباطشة القوية؟ إنها تشير إلى المورة وكريد وبلاد اليونان، وقد أعجز الباب العالي إخضاعها، فندب لها إبراهيم على رأس 16 ألف جندي دوخوها ودكوا حصن موسوليغي الحصين إلى أن أخذت أساطيل الدول أسطوله بنيرانها من كل جانب وهو راس في فرضة نافارين، فوقف إبراهيم البطل البطاش والفاتح العظيم ينظر إلى ذلك الأسطول الذي كان الثالث في أساطيل البحر المتوسط يحترق بلا إنذار ولا وعيد، فدمعت عيناه ولم يفه إلا بكلمة وجهها لأحد رفاقه من الضباط الفرنساويين: «أتشترك فرنسا بتحطيم الأسطول الذي بناه مهندسوها؟!» وكان الأسطول مؤلفا من 63 سفينة حربية و100 مركب لنقل الجنود، ثم صدر إلى إبراهيم أمر أبيه بالعودة برجاله فعاد، ولم تستهل سنة 1825، ووصلت اليونان بعد عودته إلى استقلالها بتألب الدول في سنة 1826.
أندري أن هذا البطل هو الذي صعد في السودان إلى النيل الأبيض فسمي في ذاك الحين باسمه كما سمي النيل الأزرق باسم أخيه إسماعيل وكما سميت بحيرة الأوغندا «الإسماعيلية» باسم ابن إبراهيم.
وهل ندري أنه هو الذي أخضع بلاد العرب كلها: نجد - بعد أن شتت شمل الوهابيين - والحجاز واليمن، وأعاد مفاتيح الكعبة لتركيا؟
أندري ونحن ننظر إلى تمثال هذا البطل المغوار والفاتح العظيم، أنه تولى حكم مصر السفلى ولم يزد عمره على 17 سنة ليمكن والده من السفر إلى الحجاز في سنة 1813، فأظهر من الحنكة والدراية ما كان مضرب المثل؟
أندري أنه وهو فتى الإهاب كان يعامله أبوه وهو يعامل أباه النابغة معاملة النظير للنظير، حتى خيل للسذج من رجال الدولة الذين يجهلون تاريخه أنه ليس ابن محمد علي، بل هو ابن زوجه، تبناه محمد علي بعد وفاة ابنه طوسون الذي قاد قبل إبراهيم حملة الوهابيين ومات في برنبال بالطاعون، ولكن مؤرخ محمد علي «إدوار جوين» رد هذه الفرية ودفعها، فقال: إن محمد علي تزوج من ثيب غنية لما أظهره في بلده من البطولة، فرزق منها خمسة أولاد ذكور؛ منهم إبراهيم وطوسون وإسماعيل، وكان مولد إبراهيم في سنة 1789، وقد وصف الذين زعموا ذلك الزعم بالقحة والسماجة والباطل!
نامعلوم صفحہ