وقال حلمي مستخفا: تشيلي البندقية؟ - أشيلها.
وتدخل واحد وقال: طب شيل إنت إيدك من ع الجرح يا حدق.
وتنبه حلمي إلى أن يده كانت قد عادت إلى مكانها فوق الجرح دون وعي منه، فأنزلها، وتوقف برهة، ثم تابع استخفافه ليداري خجله: وتضربي نار يا خالة؟ - أضرب .. ما اضربشي ليه. أهم بيقولوا إن الستات كانت بتضرب.
وتابع حلمي استخفافه: طيب افرضي إنه اتعور وانتي بتحاربي معاه، تعملي إيه؟
وبكت ولم تجب، وأسكتنا حلمي. ولكنه فعل هذا للحظة ثم عاد يسألها: يا ستي الحكاية بسيطة، وهو في المستشفى. زمانه طاب. وما لك ملهوفة عليه قوي كده ليه، هو انتي لوحدك؟ ما كل واحد اتعور له أم زيك كده، ما كنت تستني لما يخرجوا الإنجليز وتروحي في أمان بدال ما تعرضي نفسك للموت كده. إنت لازم ترجعي وتستني.
فأجابته بلهجة هادئة ولكنها حاسمة: ما أقدرشي أستنى. - ليه؟ - عايزة أشوفه. زمانه لوحده. عايزة أشوفه بعد اللي حصل. دا كان في الحرب يا بني. إلهي ما يحرق قلب أمك عليك.
وضحكنا لذكر أمه. ومع هذا لم يملك كل منا بينه وبين نفسه إلا أن يتذكر أمه، ثم ينفيها على عجل من ذاكرته.
وحلت لحظة صمت.
الريح بدأت تنتعش. ونور السماء قد خفف كثيرا من ظلام البحيرة، والقلع منفوخ، وفم الريس مفتوح، وعيونه لا تغفو، والجو مملوء بالصرير المتصل الذي لا ينضب ولا ينقطع.
وسألها حلمي بصوت شاعري ممدود يقارب لهجتها: هو كبير يا خالة؟
نامعلوم صفحہ