كلاهما رأى رؤيا الاشتراكية كما لو كانت دينا يحس الولاء له، وكلاهما خدم هذا الدين بكل ما وسعه من مجهود.
وكلاهما كان ملحدا في المعنى العرفي للإلحاد، وهو إنكار خالق متصل بالكون له شخصية عاقلة ورعاية شاملة للبشر، كلاهما يجد في التطور ديانة كاملة كافية؛ فالديانة هنا ليست غيبية وإنما هي بيولوجية.
والأخلاق عندهما هي مسئوليتنا قبل كل شيء نحو الحياة التي تفرض علينا التطور والتعلم، وأن نربي أنفسنا، وأن نتوسع في وجداننا، وأن نطيل أعمارنا ونصون صحة أجسامنا وعقائدنا، وأن نرتقي، وأن نحس الولاء لهذا العالم وليس لعالم غيبي آخر.
لسنا مسئولين أمام الله، أو أمام القانون، أو أمام المجتمع، وإنما مسئولون أمام الحياة التي تضطرنا في النهاية إلى أن تكون مسئوليتنا أمام المجتمع والقانون إذا كانا على عدل، أما إذا اصطدمت مسئوليتنا أمام الحياة بمسئوليتنا أمام القانون والمجتمع، فإننا يجب أن ندافع عن الحياة ضد القانون والمجتمع.
إصلاح الهجاء الإنجليزي
لأول مرة ينهزم برنارد شو هزيمة منكرة، فقد حكمت محكمة تشانسري في لندن بأن الوصية التي كان قد كتبها بشأن وقف نحو ربع مليون جنيه من تركته لإصلاح حروف الهجاء في اللغة الإنجليزية، هذه الوصية ملغاة، ويجب لذلك أن تقسم التركة بين الورثة الشرعيين، وصدر هذا الحكم في فبراير 1957.
وكان برنارد شو عند وفاته في 1950 قد ترك نحو سبعمائة ألف جنيه خص منها نحو ربع مليون لإصلاح الهجاء الإنجليزي، فطعن الورثة في صحة الوصية، ودخلوا في تفاصيل عديدة احتاجت إلى نحو خمس سنوات من الدرس والمرافعة، وانتهت بفوز الورثة وإلغاء الوصية؛ أي انتهت بهزيمة شو لأول مرة في حياته الثانية بعد وفاته.
وكان برنارد شو كبير العناية باللغة كبير التقدير لقيمتها في ثقافة الشعب، وتكوين الشخصية، والارتقاء الذهني لكل إنسان. وكانت له كلمة جارحة صادقة بشأن أرلندا وطنه الأصلي، فقد حمل على الوطنيين الأرلنديين لأنهم يحيون لغتهم الميتة ويكتبون بها، بدلا من الكتابة باللغة الإنجليزية، لغة المستعمرين. وكان يقول إنه على الرغم مما أنزله المستعمرين الإنجليز بالأرلنديين فإنهم أسدوا فضلا كبيرا بتعميم اللغة الإنجليزية بينهم؛ ذلك لأن هذه اللغة تحتوي من ألوان الثقافة العصرية ما لا يستطيع الأرلنديون أن يحصلوا على مثله بلغتهم التي لا تتسع للتعابير العلمية، أو للتأليف على الأبعاد الرحبة في الثقافة كما هي الحال في بريطانيا، وهو هنا يشبه - في حماسته للغة الإنجليزية - نهرو؛ فإن هذا الزعيم العظيم أيضا يدعو إلى التخفيف من النعرة الوطنية الهندية وإبقاء اللغة الإنجليزية في الهند، كلغة الثقافة والعلم، واللسان المشترك بين أبناء الهنود الذين تختلف لهجاتهم بل لغاتهم، وهذا على الرغم من أنها لغة المستعمرين الذين أذلوا الهند أكثر من مائتي سنة ونهبوها وأفقروها.
والحق أن اللغة العظيمة التي تتسع للعلم والثقافة العصريين تعد من أعظم الوسائل للارتقاء الفني والاجتماعي، بل السياسي والحربي، وأيما شعب يهمل لغته، ويتسامح في وجود بعض النقائص في تعبيرها أو هجائها، إنما يهمل بذلك عاملا خطيرا من عوامل حياته في موكب التطور، وكما يتخلف الشعب لإهمال القوة الصناعية أو القوة الحربية، ويتعرض بذلك للهزيمة في موكب التطور، كذلك يمكن أن يتخلف وينهزم إذا كانت لغته ناقصة.
وأيما إنسان درس التطور البشري يعرف قيمة اللغة، بل القيمة العظمى لها في تكبير الدماغ وترتيب المعارف وتوجيه الحضارة، وكان برنارد شو يكثر من ذكر الحكمة القائلة بأن اللغة جعلت المكان جغرافيا والزمان تاريخيا.
نامعلوم صفحہ