ثم جلست إلى البيانو،
6
فضربت عليه وغنت بصوت عال شج ضربا من محاورات الغناء
7
يقال له «الفافوريت»، وكان «ڤكتور» يرد أجوبة المحاورة مجيدا، فحسن غناؤهما على هذه الصورة، حتى أنه ليمكن القول إن تلك الأغنية لم يغن بها من قبل هذه المرة غناء أشد تأثيرا في الأنفس؛ وما ذلك إلا لأن انفعالات النفس أقوى وأطيب وأحسن وقعا في القلوب من جميع الشهوات الحسية، وهي أعلى من أن يعرفها كل أحد من الناس، فمن عرفها أسف على فقدها ما دام حيا.
ومضت عليهما ساعة من الزمان على هذه الحالة، ثم ظهر فيهما تأثير السم من رائحة الزهر، وكان كل منهما لاهيا عن ألمه اهتماما بألم حبيبه فقال «ڤكتور»: كيف أنت يا «أليس»؟ - على أحسن حال، فقد وافى الرقاد.
وكانت مع ذلك شاعرة بسريان الحمى بين عظامها، ثم قالت: وأنت كيف حالك؟ - إني أراك وأنعم بالقرب منك فما يعوزني شيء.
وبعد ذلك صمتا هنيهة من الوقت حتى بلغ منهما الخدر مبلغا بعيدا فقال «ڤكتور»: أتعلمين يا راحة الروح ماذا أرى الآن؟ أرى على شكل الصورة البعيدة هاتيك الأودية البهية في مسقط رأسي وموطن أهلي وناسي، وتلك الأطلال التي تلاقينا عليها أول مرة، والعين التي قبلتها مني هدية وكانت أول معاهد الحب، آه، ما أبهى وأبهج هاتيك الرياض والمراعي والغياض! وقصرنا القديم، وخطرات فكري بين تلك الغابات وأماني نفسي التي لم أكن أدركها، والملك الكريم الذي حقق تلك الأماني، كل هذا أراه الآن بعين التصور، فهل تذكرين أنت هاتيك الأويقات الصافية، وما أدركنا بها من نعم السرور الصافية، وتلك المعاهد الناضرة والربوع الزاهرة وما ازدانت به من المحاسن الباهرة؟
ربوع تمر الريح فيها فتكتسي
بها أرجا هوج الرياح الهواجم
نامعلوم صفحہ