بریقہ محمودیہ
بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية
ناشر
مطبعة الحلبي
ایڈیشن نمبر
بدون طبعة
اشاعت کا سال
١٣٤٨هـ
وَتَخْصِيصِ الْمُؤْمِنِ مَعَ أَنَّ بَعْثَةَ الرَّسُولِ عَامَّةٌ لِلْكُلِّ لِزِيَادَةِ انْتِفَاعِهِمْ أَوْ أَنَّ الْبَعْثَةَ وَإِنْ كَانَتْ نِعْمَةً لِغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا بِحَسَبِ أَصْلِهَا لَكِنْ نِقْمَةً بِحَسَبِ الْوَاقِعِ وَالْخَارِجِ ﴿إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٦٤] مِنْ جِنْسِهِمْ لِيَسْهُلَ اسْتِئْنَاسُهُمْ وَأُلْفَتُهُمْ وَيُعِينَ عَلَى فَهْمِ كَلَامِهِ وَأَخْذِ حِكْمَتِهِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ جِنْسُهُمَا مُخْتَلِفًا لَرُبَّمَا تَقَعُ الْوَحْشَةُ وَالْمُنَافَرَةُ بَيْنَهُمَا وَأَيْضًا يَسْرُعُ فَهْمُ النُّبُوَّةِ فِي الْمُجَانَسَةِ مِنْ عِلْمِ حَالِهِ فِي الصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ وَقُرِئَ ﴿مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٦٤] أَيْ أَشْرَفِهِمْ.
وَعَنْ الْخَازِنِ وَقِيلَ أَرَادَ بِالْمُؤْمِنِينَ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَعْنَى مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَيْ بِالْإِيمَانِ وَالشَّفَقَةِ لَا بِالنَّسَبِ وَمِنْ جِنْسِهِمْ لَيْسَ بِمِلْكٍ وَلَا أَحَدَ مِنْ غَيْرِ بَنِي آدَمَ.
وَوَجْهُ مَنِّهِ تَعَالَى بِالرَّسُولِ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ دَاعٍ إلَى مَا يُنَجِّيهِمْ مِنْ الْمَخَاوِفِ وَهَادٍ إلَى مَا هُوَ مَحْبُوبُهُمْ بِالذَّاتِ وَوَجْهُ الِامْتِنَانِ بِكَوْنِ الرَّسُولِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ آنِفًا مِنْ سُهُولَةِ فَهْمِ نُبُوَّتِهِ وَأَخْذِ شَرِيعَتِهِ وَجَمِيعِ أَحْوَالِهِ فَالِامْتِنَانُ هُنَا بِشَيْئَيْنِ أَصْلِ الرِّسَالَةِ وَالْمُجَانَسَةِ بَلْ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَعْظَمِيَّةِ الْمُجَانَسَةِ فِي الْمِنَّةِ لِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْإِفَادَةِ فِي الْكَلَامِ الْمُقَيَّدِ هُوَ بِاعْتِبَارِ قَيْدِهِ ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ﴾ [آل عمران: ١٦٤] لِيَهْدِيَهُمْ إلَى صِرَاطٍ سَوِيٍّ ﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾ [آل عمران: ١٦٤] يُطَهِّرُهُمْ مِنْ نَجَسِ الْكُفْرِ وَدَنَسِ الْمَعْصِيَةِ وَوَسَخِ الْخَبَائِثِ وَفُحْشِ الطِّبَاعِ وَسُوءِ الِاعْتِقَادِ لَعَلَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ عَطْفِ الْعِلَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ يَعْنِي إنَّمَا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ لِيُزَكِّيَهُمْ.
﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [آل عمران: ١٦٤] فُسِّرَ الْكِتَابُ بِالْقُرْآنِ وَالْحِكْمَةُ بِالسُّنَّةِ الْمُطْلَقَةِ وَقِيلَ بِالسُّنَّةِ الَّتِي سَنَّهَا لَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُرَادَ بِتَعْلِيمِ الْكِتَابِ نَظْمُهُ وَبِالْحِكْمَةِ مَعَانِيهِ وَأَسْرَارُهُ وَقَدْ عَرَفْت مَعَانِي الْحِكْمَةِ فِي الْخُطْبَةِ ﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ﴾ [آل عمران: ١٦٤] الْبَعْثَةِ ﴿لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [آل عمران: ١٦٤] لَفِي جَهَالَةٍ وَحِيرَةٍ فِي أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَظَاهِرٌ لَا يُرْتَابُ فِيهِ وَإِنْ فِيهِ مُخَفَّفَةٌ وَاللَّامُ فَارِقَةٌ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ إنْ النَّافِيَةِ وَاسْمُهَا ضَمِيرُ الشَّأْنِ الْمُقَدَّرُ وُجُوبًا وَبِالْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ خَبَرُهَا وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ الْحَاصِلَةُ مِنْ الِاسْمِ وَالْخَبَرِ حَالٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ اعْتِصَامُ السُّنَّةِ
وَالْحَاصِلُ مِنْ الْآيَةِ الِاعْتِصَامُ بِالْكِتَابِ غَايَتُهُ بِوَاسِطَةِ الرَّسُولِ إذْ زُبْدَتُهُ النَّبِيُّ مَبْعُوثٌ بِتِلَاوَةِ الْآيَاتِ وَتَعْلِيمِ الْكِتَابِ وَكُلُّ مَا شَأْنُهُ كَذَا فَالتَّمَسُّكُ بِهِ لَازِمٌ دَلِيلُ الْكُبْرَى أَدِلَّةُ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْكَلَامُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَفْسِيرِ الْحِكْمَةِ بِالسُّنَّةِ وَكَانَ الْمُرَادُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ هُوَ جُزْءُ الْآيَةِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ تَصْوِيرُ الْمَقَامِ هَكَذَا الْحِكْمَةُ يَعْنِي السُّنَّةَ شَيْءٌ بُعِثَ الرَّسُولُ بِتَعْلِيمِهِ وَمَا شَأْنُهُ كَذَا فَالِاعْتِصَامُ بِهِ لَازِمٌ
وَفِي النِّسَاءِ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ﴾ [النساء: ٥٩] قِيلَ فِي فَرَائِضِهِ ﴿وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [النساء: ٥٩] قِيلَ أَيْضًا فِي سُنَنِهِ أَقُولُ لَيْسَ الْفَرْضُ مُخْتَصًّا بِكِتَابِ اللَّهِ وَلَا السُّنَّةِ بِرَسُولِ اللَّهِ بَلْ الْفَرْضُ يَحْصُلُ مِنْ السُّنَّةِ أَيْضًا وَالسُّنَّةُ مِنْ الْكِتَابِ أَيْضًا إذْ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ الشَّرْعِيَّةُ لَا اخْتِصَاصَ لَهَا بِدَلِيلٍ وَفِي تَخْصِيصِ الْأَمْرِ بِالْإِطَاعَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ غَيْرُ الْإِيمَانِ وَأَنَّ الْكُفَّارَ لَيْسُوا بِمُكَلَّفِينَ بِالْفُرُوعِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مُحَقِّقِي الْحَنَفِيَّةِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ وَالشَّافِعِيَّةِ ثُمَّ الْأَصْلُ فِي الْأَمْرِ الْوُجُوبُ فَإِذَا وَجَبَ إطَاعَةُ الرَّسُولِ وَجَبَ الِاعْتِصَامُ بِالسُّنَّةِ لَكِنْ هَذَا ظَاهِرٌ فِي السُّنَّةِ الْقَوْلِيَّةِ.
وَأَمَّا الْفِعْلِيَّةُ وَالسُّكُوتِيَّةُ فَلَعَلَّهَا مُلْحَقَةً بِالْقَوْلِيَّةِ أَوْ الْإِطَاعَةُ عَامَّةٌ لِلْجَمِيعِ تَحْقِيقًا أَوْ تَأْوِيلًا ﴿وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩] وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ وَأَطِيعُوا أُولِي الْأَمْرِ لَعَلَّهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ مُسْتَقِلًّا فِي الْإِطَاعَةِ بَلْ مُقَيَّدَةٌ وَمَشْرُوطَةٌ بِمُوَافَقَةِ أَمْرِ اللَّهِ وَأَمْرِ رَسُولِهِ وَلِهَذَا يُقَالُ لَا مَعْصِيَةَ لِلْخَالِقِ بِأَمْرِ الْمَخْلُوقِ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُغَيِّرَ مَا عَيَّنَهُ الشَّرْعُ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَصِحُّ هَذَا فَضْلًا عَنْ الْأُضْحِيَّةِ.
وَقَدْ نَزَلَتْ فِي أَمِيرِ سَرِيَّةٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ السُّدِّيَّ فِي حَقِّ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ حِينَ بَعَثَهُ ﷺ فِي سَرِيَّةٍ وَفِيهَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى عَمَّارٍ قَدْ أَسْلَمَ فَأَمَّنَهُ فَرَجَعَ الرَّجُلُ فَأَخَذَهُ خَالِدٌ فَقَالَ عَمَّارٌ إنِّي أَمَّنْته وَقَدْ أَسْلَمَ فَقَالَ خَالِدٌ تَجَرَّأَ عَلَيَّ وَأَنَا الْأَمِيرُ فَتَنَازَعَا عَلَى يَدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَجَازَ أَمَانَ عَمَّارٍ وَنَهَاهُ أَنْ يَجْرَأَ الثَّانِيَةَ عَلَى الْأَمِيرِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ قُلْنَا هَذَا إنَّمَا يَرِدُ عَلَى مَنْ يَقُولُ إنَّ الْعِبْرَةَ بِخُصُوصِ السَّبَبِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ
1 / 54