قال في حسم: توحيدة، اتركيني الآن، وفورا. - لا حول ولا قوة إلا بالله، أمرك. - ولا أحد يدخل عندي. - ماذا أقول لشهاب؟ - قولي له ما شئت، ولكنني لا أريد أن أرى أحدا، أسمعت؟ - أمرك.
وخرجت وأغلق الباب بالمفتاح وألقى بنفسه على السرير ذاهلا تملأ المهانة نفسه يزحمها الغيظ والأسى، وعيناه شاخصتان إلى الفراغ.
ومر به اليوم جميعا وهو على حاله هذا، حتى لقد أبى أن يتناول طعاما في يوم كله. والحاجة توحيدة وحفيدها حائران معذبان بالقلق لا يدريان مما يعانيه الشيخ من أهوال.
وكان كلما خرج من الغرفة ليتوضأ ويصلي يحاول شهاب أن يسأله عما به، فيزجره في عنف لم يعهده شهاب منه قبل ذلك مطلقا. ويئست الحاجة توحيدة أن تعرف منه شيئا عما به.
وانقضى اليوم وشهاب يفكر أن يسافر؛ فقد كان يظن أن جده غاضب عليه، ولكن الحاجة توحيدة تنفي عنه هذه الفكرة بكل ثقة، وترجوه ألا يترك جده وهو في حاله هذا، فيجد في كلامها منطقا، فربما كان جدي مريضا ولا يجوز أن يتركه، خاصة وأن معه سيارة لعلها تكون ذات فائدة، فيمكث في غير رغبة في المكوث. وهو أيضا لا يحس برغبة في الرحيل، ولكنه لا يدري ماذا يصنع بيومه هذا الطويل. خرج إلى القرية وراح يتمشى بلا هدف بين الحقول، ولم يعدم أن يجد بعض من يعرفهم ويعرفونه من أبناء القرية يحادثهم ويحادثونه، ثم ما يلبث كل منهم أن ينصرف إلى شأنه وينفرد به الطريق مرة أخرى، وتهز نفسه الوساوس بين شعوره بالخجل مما صنع وبين ما يعانيه جده.
والحاجة توحيدة والهة حائرة تدور في البيت بلا عمل، وتصلي فلا تفلت سنة ولا نافلة إلا أقامت صلاتها، ولكن الساعات بطيئات ثقيلة. وحين عاد شهاب إلى البيت لم يستطع أن يتصل بينهما حديث.
ويمر اليوم ويأتي الليل دون أن يذوق الحاج حامد لقمة في يومه هذا. هل أستطيع أن أطعم من مال الصدقة وأنا الذي عشت عمري كريما على نفسي وعلى الناس؟
وكيف أستطيع أن أسيغ الطعام. وكيف يقبله لساني أو جسمي؟! اللهم لا إله إلا أنت سبحانك.
وتطرق الحاجة توحيدة غرفته تريد أن تنام. - نامي في غرفة أخرى .
وتذعن المسكينة هذا الإذعان الذي يعرفه ذلك الجيل، والذي لا يتصور أن تكون الأمور إلا هكذا. أمر من الرجل وطاعة من الزوجة وبغير معرفة للأسباب.
نامعلوم صفحہ