توثقت الصداقة بين سعدون والحاج حامد، فكان الحاج حامد يحرص كل الحرص أن يزور سعدون كلما جاء إلى زيارة زوجة ابنه. وكان سعدون يأنس إلى الحاج حامد، وكان يكثر من زيارته في البلدة، ويعود في نفس اليوم حتى لا تفوته جلسة المقهى.
وجرت الحياة رخاء في الأسرة الصغيرة الجديدة، وفي الأسرتين الأخريين اللتين جمعهما النسب الجديد.
وشاء الله أن يكون زواج هارون خيرا وبركة على بيت سعدون؛ فلم تمض إلا شهور ثلاثة حتى تقدم لخطبة وجيدة أستاذ بدرجة مدرس في كلية الحقوق يملك أبواه حوالي عشرين فدانا وهو ابنهما الوحيد، هو أيضا شأن هارون في عائلة حامد. ولم يكن العريس أمجد حماد قد رأى العروس، فدبرت تحية هانم الأحمدي واسطة العريس اللقاء، ورضي كل من العروسين عن الآخر. وتم الزواج بعد شهرين من الخطبة، وسكن الزوجان حي الجيزة ليكون الزوج قريبا من الجامعة. ولم تمر سنة حتى رزقا بهناء، ثم مرت سنة أخرى ورزقا بأيمن.
الفصل السادس
ما هذا الذي حدث؟! كيف استطاع هارون أن يجحد فضل أبويه هذا الجحود؟ لقد أصبح لا يزورهما إلا في القليل النادر، حتى إنه كان يزور القرية ويمر بالأرض ولا يلقى والديه، وإنما يذهب إلى مزارعه الأخرى.
ربما زارهما مرة في الشهر، أو قد يمر شهران أو أكثر ولا يراهما! وكأنما كان الحاج حامد يتوقع هذا، ولكن الحاجة توحيدة كانت تعيسة بهذا التجاهل من ابنها تعاسة فاجعة.
وكان هارون قد دأب أن يسهر مع حميه سعدون، ولكنه كان لا يشرب معه إلا في القليل النادر. وفي هذه السهرات تعرف على عبد المجيد زين الدين، وكان زين الدين مشهورا أنه من كبار الأغنياء. وفي ليلة سأل هارون: ماذا تزرع يا هارون؟ - أحاول زراعة الموالح. - تحتاج إلى صبر طويل وإنفاق كبير وخبرة عميقة. - وماذا ترى سعادتك؟ - أتعرف مكتبي في شارع قصر النيل رقم 14. - عظيم. - تمر علي غدا الساعة الثانية عشرة.
قال له في المكتب: عندي لك زراعة تكسب منها مبالغ خيالية. - خيرا؟ - الأعشاب الطبية. - سمعت عنها، ولكن كيف أبيعها؟ - هذا عملي؛ فإني متعاقد مع شركات أجنبية، وإني سأشتري منك المحاصيل كلها، وسأدلك على محلات التقاوي وكيفية الزراعة، وأدفع لك مقدم ثمن المحصول حتى لا تتكلف أنت وحدك الإنفاق عليها. وتستطيع أن تبقي في نفس الوقت على أشجار البرتقال. - شيء عظيم. - نكتب عقدا؟ - عشرة عقود إذا أردت. - سنكتب عقدا واحدا على أربعة أنواع من الأعشاب، وبعد أن تجرب الزراعة نزيد العقود إن شاء الله. - وهو كذلك.
وكانت فاتحة خير عميم على هارون؛ فقد بدأ يزرع هذه الأعشاب وبرع في زراعتها براعة فائقة، واستطاع أن يبقي أشجار الموالح في الأرض، وكسب آلافا من الجنيهات. •••
ومرت سنوات ازدادت فيها ثروة هارون زيادة فائقة، وأنجب في خلال هذه السنوات شهاب وفائق من بعده، وطبعا فرح بولديه ولكن فرحه بالمكاسب كان أكبر. وكانت حياته في البيت هادئة مطمئنة، ولم يكن ازدياد ثروته مفاجأة لحميدة؛ فقد كانت تعرف رغبته العارمة في الغنى والاستكثار من الأموال. •••
نامعلوم صفحہ