فقالت بامتعاض: حدثني عن موقف الدولة من هذا الفساد! - لا جدوى من الشكوى، سليمان وزاهية ما هما إلا قردان في حديقة ملأى بالقرود، جن الناس، فقدوا وعيهم، يحومون حول العرب، الذين فوق يتعهرون والذين تحت يشحذون!
وتبادلا نظرة متجهمة ثم سألها: كيف تواجهين الحياة؟
فأجابت بوجوم: كلما مر شهر تساءلت ترى هل نحافظ على مستوى معيشتنا الشهر القادم؟ - مثلك تماما، لنا أولاد، من الخطر أن يهبطوا عن حد معين من الحرمان، لنحمد الله على أنهم وصلوا إلى المرحلة النهائية!
فقالت متهكمة: ثم تبدأ مرحلة من المشكلات الجديدة، يا لهم من جيل محاصر سيئ الطالع، ألم يكن الأجدر بالعرب أن ينشلونا من وهدتنا بدلا من أن يجعلوا منا حقلا للتسول والدعارة؟!
وكأن علي كان يحاورهما عن بعد وهو يقذف بنواياه المتقدة نحو الوجود؛ يلعن وطنه ومواطنيه ويتربص باللحظة المناسبة التي يهجره فيها إلى الأبد. وذات صباح نعت إليه أمه ميرفت هانم حماة خاله محمد! لم تفطن أمه بطبيعة الحال إلى هزته الباطنية. وقال لنفسه يعزيها: ماتت في الواقع منذ أشهر.
المرأة التي وهبته حبا بهيميا غريبا خارقا للمألوف داوى بها جهازه العصبي المختل، خبر معها راحة متجددة، وأنانية متسلطة، وخيلاء معربدة، وحبا غير مألوف يتحدى الأكليشيهات الشعرية الجارية، انتشله من مخالب أزمته، وفي الوقت نفسه رسخ رؤيته المتمردة. وقال متهكما: خير ما فعلت!
وهز منكبيه قائلا: أخي أمين أسعدنا حظا!
وكان أمين سعيدا حقا، يحب بنتا ممتازة وتحبه، ولكنه باقترابه من نهاية المرحلة التعليمية الأخيرة رأى عن قرب مستقبله المعقد بالمشكلات. على أنه سره أن يسمع هند وهي تردد: لا مشكلة بلا حل!
فقال لها مغالبا همومه: ومعنا الحب، وفيه ما يكفي!
وكانت هند بخلافه لا تكترث للسياسة ولا الأحاديث العامة. أجل كانت متفوقة كطالبة، ينحصر اهتمامها في دراستها وشئونها الخاصة ومستقبلها، وتعنى في الوقت نفسه بإتقان شئون البيت كأنها امتداد لدراستها، كما كان حبها لأمين أقوى عاطفة في حياتها. ولم يكن لها من الدين - كالسياسة - إلا قشور، ولكن الدين تسلل إليها - على غير شعور منها - عن طريق الأخلاق؛ لذلك اعتدها أمين - وهو يتنفس مناخا ينضح بالفضائح - لقية لا توزن بمال. أما شفيق بن محمد فقد تمادى في توثيق علاقته بزكية محمدين حتى أحبها. وبهبوط الحب عليه انسربت إلى أعماقه الهموم والفكر. ومن قبل ذلك لم يخل ضميره من قلق. كان يداوم على الاتصال بها ويجتر وساوس القلق والمحاسبة. ولما أحبها قال لنفسه: لا يدري أحد أين يجد قلبه مستقره!
نامعلوم صفحہ