فقالت سهام: أعداؤه كثيرون أيضا.
ولكن بدا الأمر أوسع من ذلك. وقال لها: إنه رمز للحب والخوف فهو حقيق بأن يثير عواطف متناقضة!
أجل، ليس الحزن وحده ما يحرك الناس؛ إنه حزن ظاهر وفرح خفي ورعب كامن تتناغم جميعا في لحن جنوني. الموت يعلن على الملأ أنه يأخذ عبد الناصر نفسه فأشعر كل إنسان بقربه الشديد فقاسمه موته وهو لا يدري. قال لسهام: الناس تبكي أنفسها أولا!
فقالت سهام: اعتاد الناس أن يروه وحده فوق خشبة المسرح، اليوم المسرح خال، وليس أمام الفراغ إلا الضياع والذعر! - أوافقك تماما، فيما مضى أراد أن يتنحى فاستبقوه فيما يشبه الثورة، ها هو الموت يفلته من قبضتهم اليائسة، ويطالبهم بحمل أمانة لم يعتادوا حملها، فراحوا في يأسهم يبكون وينكتون.
ويمضي الوقت ويأخذ الطوفان في الانحسار، وما تلبث الدراما أن تحفل بالأحداث يجر بعضها بعضا. وتتأزم الأمور وتتعقد ولكنها تنتهي بنهاية غير متوقعة فينتصر الرئيس الجديد على أعدائه انتصارا مبينا. وبالانتصار تلوح بشائر زعامة جديدة، ومولد شعبية جديدة متعطشة للانتصار ومتطلعة للأمان، وتبدأ دورة جديدة للبحث عن مخرج من الأزمات المتراكمة. وكان رشاد قد رجع إلى الجبهة في كامل عافيته، وبدا أنه انهمك في العمل لدرجة أنسته إلى حين مشروع زواجه ولكن كوثر لم تنس. وأدركتها هموم جديدة باعتلال كبدها فتبدت للناظر أضعف من أمها - الماضية فيما بعد الستين - مع محافظتها على صحتها ورونقها، ومصارعتها للكبر مصارعة لا هوادة فيها. وفي أواخر الخريف أمطرت السماء مطرا غزيرا فرشح سقف الصالة وانداحت بقع بالجدران على حين تسللت قطرات من ركن حجرة المعيشة. عند ذاك تشجعت سنية قائلة: لا مفر من إصلاح السطح!
وأذعنت كوثر لمشيئة أمها دون تردد. وجاءتهما أم جابر الطاهية بقريب لها، أزال الطبقة المتهرئة وثبت مكانها طبقة من الأسمنت.
وتساءلت الأم: ألا نعيد طلاء الصالة وحجرة المعيشة؟
ولكن كوثر - وكانت مدخراتها تنفد باستمرار - أجابت: فلنؤجل ذلك!
فقالت سنية وهي تداري هزيمتها بابتسامة: سيجيء الفرج على يد الرئيس الجديد.
فقالت كوثر بوجوم : ولكن رشاد غارق في الجبهة يا ماما! - الرئيس مشغول بالداخل، جاد في البحث عن حل سلمي، وعلاقته بالعرب تتحسن يوما بعد يوم.
نامعلوم صفحہ