التعاون الدولي، الصندوق المشترك، بنك التعمير
البنك المركزي الدولي
ننتقل بعد ذلك إلى النطاق الدولي لنختم به هذه المحاضرة؛ فقد لا يخلو من الفائدة إتماما لهذا البحث أن نلم ولو إلماما بسيطا بالفكرة التي دعا إليها البعض من وجوب الاتفاق على عمل دولي لتتعاون البنوك المركزية فيما بينها. وقد وجدت هذه البنوك أن من دواعي نجاحها أن تتعاضد وأن تكون بينها زمالة. وقد كانت حتى قبل حرب سنة 1914 يشد بعضها أزر البعض وتقدم له القروض. وقد رأينا بنك إنجلترا يقدم للولايات المتحدة المعونة في أزمة سنة 1907، ثم رأينا الولايات المتحدة ترد لها ذلك الجميل مضاعفا سنة 1931، ثم رأينا بنوك إنجلترا وفرنسا والولايات المتحدة تتحالف سنة 1936 الحلف الثلاثي المشهور ليثبت سعر كل من الإسترليني والفرنك والدولار بالنسبة إلى الآخر.
وقد رأينا أيضا جهدا طيبا لتنسيق سياسة البنوك المركزية وتعاونها في محاولة سبقت عند إنشاء بنك التسويات الدولية
Bank of International Settlements
الذي اقترحه تقرير لجنة يونج للتعويضات المسمى
Young camrnittee for Reparations ، وإن كان همه الأول تمكين الحلفاء من الحصول على التعويضات من ألمانيا إلا أنه من أغراض هذا البنك - كما جاء صراحة في ذلك التقرير - أن يعمل على تنظيم التعاون الدولي، وأن يعقد قروضا قصيرة الأجل، وأن يساعد الدول والبنوك المركزية في أوقات الضيق الناشئ من نقص مفاجئ في أرصدتها. وأن يقوم بالمقاصة بين هذه البنوك حتى لقد وصف بعضهم هذا البنك بأنه ناد للبنوك المركزية.
وقد أرادت اللجنة أن يكون من أغراضه أن يعمل على تثبيت العملات ومنع الأسعار من التقلب؛ الأمر الذي لا يتمم كما قالت اللجنة إلا بتعاون الدول، وكان من المفروض أنه إذا تم ذلك التعاون، فإنه سيقضي على المتاعب الناجمة من الذهب في تنقلاته الضارة بين الدول ليفسد علاقتها ويسبب لها الأزمات.
تلك فكرة اتخاذ البنك المركزي الدولي التي كانت فيما سبق أملا طالما تاق كثير من كتاب الاقتصاد الذين ذهب بعضهم إلى القول بضرورة اتخاذ نقد دولي أو وحدة عالمية تنسب إليها عملات الدول المختلفة وتربط إليها بقيود تمنع تلك العملات من التضارب في سياستها والتسابق في تخفيض قيمتها. ولهذا الغرض قام اتفاق «بريتون وودز» على اتخاذ مؤسستين دوليتين إحداهما صندوق النقد والأخرى بنك الإنشاء والتعمير.
أما الصندوق فأساس عمله أن يمكن الدول المساهمة فيه من قروض قصيرة الأجل تسد بها حاجة عاجلة وتتقي بها موقفا مفاجئا في تجارتها الخارجية. وأما البنك الدولي للإنشاء والتعمير فيعمل على تمكين الدول من قروض طويلة الأجل تساعدها على التعمير وإصلاح ما خربته الحرب أو زيادة الإنتاج. وخيل لواضعي الاتفاق أنهم قد حلوا مشكلة الذهب أو كادوا؛ لأنهم قالوا بربط العملات إلى بعضها في قاعدة تجعلها على أكثر ما يمكن أن يظن من الثبات. وبهذا اعتقدوا أنهم عالجوا أخطاء ما بين الحربين من تسابق بعض الدول في تخفيض عملاتها، وذهب بعضهم إلى الاعتقاد بأن هذا البنك المركزي الدولي سيساعد بهذه الصور على رفع مستوى المعيشة وتثبيت الأسعار عند مختلف الدول.
نامعلوم صفحہ