بلاغة الغرب
بلاغة الغرب: أحسن المحاسن وغرر الدرر من قريض الغرب ونثره
اصناف
وكان كتابه «تأملات الشعر الأولى» لفرنسا شعرا جديدا خرج من صميم فؤاد الشاعر، حاويا لدقة الصناعة وحماسة اللهجة وسلاسة النظم، ترجم فيه عن انفعالاته وآلامه غير ما حوى من المباحث الفلسفية والدينية، أما كتابه «الانسجام الشعري والديني» فيعوزه كثير من صفات السابق، ولقد بهر الناس بكتابه «جوسلين»، وهو رواية نظمية من أبدع ما كتبه، وإن كان انتقد في بعض مواضع منه لتقصير في صوغ القريض، فإن عددا عظيما من صفحاته كان نموذجا للنظم ومثالا للبلاغة والفلسفة. وأما مؤلفه «التفرغ للقريض » فإن العيوب تشوبه من كل ناحية، وهو غزير المادة عظيم الفكرة، ولكنه ضعيف الصياغة وبه بعض قطع رقيقة العبارة دققية الإشارة.
وقد انتقده أحد الأدباء العصريين «المسيو لانتيلاك» في كتابة «علوم الأدب الفرنسية»؛ فأنحى عليه بمر الانتقاد، ولكنه مصيب في رأيه، حيث قال: «كان لا مارتين نائبا وخطيبا، ولكنه ليس بالرجل السياسي، وكان في آخر عهده بمجلس النواب يجلس بينهم وكأنه في عالم آخر، ويتكلم ويذهب قوله من النافذة أدراج الرياح، ومؤرخا وليس من فرسان ميدان التاريخ، وروائيا كثير التكلف دون أن يكون له صفة في الفن، ومنتقدا وليس للانتقاد أهلا، وناثرا ولم يوهب سلامة الذوق في النثر، ورغما عن تقلبه في جميع هذه الفنون، فإنه لم يتقن غير صناعة القريض التي امتاز بها وحدها، وبرز فيها على الأكثرين من فحول الشعراء.»
كلب المنفرد
Le Chien Du Solitaire
لهفي على من يلج داره القفرة الموحشة، ولا يرى عند اقترابه نافذة مفتوحة، أو تحدثه نفسه بمن يلقاه عند قدومه بالإيناس والترحاب، أو يحفل به من أخت أو حليلة أو أم يرقبن عودته رقبة الأعياد، ويستطلعنه بالطلائع والرواد، ويعددن خطواته، ويتهللن بشرا وفرحا عند إقباله حتى تكاد جدران البيت تنتعش وتدب فيها الحياة لتكلأه
4
بصنوف الوقاية والحنان.
شتان بين سعادة هذا وشقاء وحيد منفرد يدخل ذراه صامتا؛ فلا يسمع وقع خطوات تلقاه أو صوتا يرن في أذنه، أو يجد فردا يشاطره آلامه ويقاسمه شجونه غير هذا الكلب الودود القديم الذي ينبح حينما يسمع خطاك. ولا قلب يفكر فيك وينتظر مجيئك سواه.
وعينه التي تشاهدك في حلك وترحالك وإن كانت لا تستطيع البكاء، لكنه حينما يراك باكيا يفهم حالتك؛ فيكاد يتفطر منه القلب رحمة وحنوا لك، لا يرفع عينه من مرمى نظرك، ولا يحولها عنه، وإن غبت أصبح حائرا يقلب طرفه في أنحاء البيت كأنه ينشد ضالة. وإن هذا ليأخذ بمجامع القلوب، بيد أنه من الغرابة بمكان.
أيها الكلب الأمين! إن الله يعلم ما بيننا من البون الشاسع والفرق البين بين إلهامك وعقل سيدك، وهو وحده الذي يدري سر ارتباطنا.
نامعلوم صفحہ