يتلوى الجرح وتسقط فيه السكين. تحاول أن ترفع يدك إلى صدرك، فتثبتها كف دافئة ناعمة الجلد. يثور غبار حولك. تتلبد سحب صيفية، يعوي الإعصار، وتختنق الأنفاس، ويسقط في عينيك غبار. تسأل نفسك: يا داري، يا دار الشقوة يا دار، هل زحف السيل الجرار؟
يقعي الزائر في الركن الصامت مكسور الخاطر. وكما سافر في الليل مع الوحدة والأحزان يسافر. يهمس في محنته: ربي، خرج العالم عن محوره، واختل الميزان. هل يعدله إنسان مثلي وأنا أضعف إنسان؟ ماذا أفعل؟ ماذا أفعل؟
تنتبه إلى صداه الذي يغيب شيئا فشيئا وتسأل نفسك: ماذا أفعل؟ تلتفت إلى الأشباح التي تقف بجوارك، وتتحرك أيديها ورءوسها في كل اتجاه وتسأل: ماذا يفعلون؟ تشتد العاصفة، يثور غبار، تربد السحب وتتجهم نذر الإعصار. يتردد صوت المسافر الذي انزوى شبحه في ركن الجدار، وتكوم على نفسه كحيوان محتضر وهو يردد: ماذا أفعل؟ ماذا أفعل؟ ماذا أفعل؟ تشتد العاصفة وينفذ صوت كالرعد: هجم التتار، هجم التتار.
11
هجم التتار. هجم التتار.
يرتفع صدرك وينخفض، تتحشرج أنفاسك كالريح المختنقة في أسرار الغابات. يرفرف الطير الأسود، ويضطرب جناحاه ويقاوم العاصفة، يعلو ويهوي مذعور القلب والعينين. لو تنفذ كفاك إلى قفص ضلوعك فتهدهده وتحن عليه حنان الأم على صدر وحيد؟ لكن الإعصار شديد، والأفق الغائم غطته الرايات السود، ودوي الطبل الأجوف يقترب ويبتعد ويذهب ويعود. تفتح عينيك الدامعتين، تحاول عبثا أن تنهض، تصرخ، يضنيك الألم، تئن، تتردد أطراف الجسد المكدود: جحافل التتار، واقفة هناك كالجدار، تسد عين الشمس بالغبار، تجلل السماء بالسواد والحداد والدمار، تزحف كالجراد كالإعصار، تفتك باخضرار العين والضمير والأشجار، إلي يا أحباب. قد أهلكني الدوار، إلي يا أحباب، فالتتار عيونهم تئز كالشرار. يرتفع أنينك فيثبت الطبيبان نظراتهم عليك، ويثبتان فتحة الخرطوم في فمك، يرتفع أنينك فيصحو المسافر من غفوته في الركن الداكن ويقترب منك: مولاي .
تشير بسبابتك إلى النافذة وتلهث: الأفق مختنق الغبار.
يتجه إلى النافذة وينظر، لا شيء سوى جبل الليل الأسود كالويل. - «والأرض حارقة كأن النار في قرص تدار.»
ينظر وينظر. الأرض قطة سوداء ملتفة على نفسها في عباءة النوم. - «وكتائبي رجعت ممزقة وقد حمي النهار.»
النهار لا يزال بعيدا، والكون يحتمي من الظلام بالظلام. - «الخيل تنظر في انكسار.»
نامعلوم صفحہ