قرب متأخر وهم المسالك ؛ تكثيرا لسواد السالك ، فوضعوا في كل فن مختصرا ، وجعلوا من مضمون بسيطه معتصرا ؛ ليستحضر المنتهي بنقله الشوارد ، وينهض بالمبتدي إلى أقصى الموارد ، فتقربت بذلك سبله ، وأحصدت للممتار سنبله ، فأكرم بذلك الاجتهاد سلما ، وللتفنن مهيعا وهيثما ، فجزاهم الله عنا أفضل الجزاء ، وحباهم من الأجر بمضاعف الإجزاء .
هذا ولما كان دين الإسلام مركبا من أمرين لا ثالث لهما ، ولا كمال لدين من انثلم في حقه أيهما اعتقاد للحق موافق ، وعمل للشرع النبوي مطابق : كان خليقا من قرع سمعه التخويف ، وتطور ذلك التكليف ملاحظة تصحيح اعتقاده ، وتثبيت عمله وانتقاده ، وهيهات أن يدرك الأرب المعتمد ويتحقق تقويم الأود من لم تخض سفينة أفكاره لجج العلوم ، ويدمغ سيف تحقيقه هامات الوهوم ، ويضرب بالسهم القامر في كل من الفنون ، حتى لا ينثني عن أيها بصفقة المغبون ، ولقد دار الفلك على نفاس الهمم فأهلكها ، وحكم العجز على ضعفها فملكها ، حتى صار أبناء الزمان والجلة من أفاضل الإخوان لاوي الأعنة عن عبور هذا الميدان ، يرون التفنن مقصدا مهجورا وأما الاجتهاد فحجرا محجورا ، وهيهات ، ما كان عطاء ربك محظورا .
فهذا كتاب لطيف كافل لمن عرف معانيه ، وحقق مبانيه بإحرازه للنصاب المعتبر في الاجتهاد من العلوم الدينية ، بعد تحصيله العلوم العربية .
صفحہ 2