بحر محیط
البحر المحيط في أصول الفقه
ناشر
دار الكتبي
ایڈیشن نمبر
الأولى
اشاعت کا سال
1414 ہجری
پبلشر کا مقام
القاهرة
أَمَّا الْقَفَّالُ، فَقَالَ: أَحْكَامُ الشَّرْعِ ضَرْبَانِ: عَقْلِيٌّ وَاجِبٌ، وَسَمْعِيٌّ مُمْكِنٌ. فَالْأَوَّلُ: مَا لَا يَجُوزُ تَغَيُّرُهُ وَلَا يُتَوَهَّمُ جَوَازُ اسْتِبَاحَةِ مَا يَحْظُرُ، وَلَا حَظْرُ مَا أُوجِبَ فِعْلُهُ كَتَحْرِيمِ الْكُفْرِ وَالظُّلْمِ وَالْعَدْلِ وَنَحْوِهِ. وَقَدْ يَرِدُ السَّمْعُ بِهَذَا النَّوْعِ فَيَكُونُ مُؤَكِّدًا لِمَا وَجَبَ بِالْعَقْلِ. وَالثَّانِي: كَأَعْدَادِ الصَّلَوَاتِ وَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى تَجْوِيزِ الْعَقْلِ وَقَبُولِهِ إيَّاهُ فِيمَا جَوَّزَهُ الْعَقْلُ فَهُوَ مَقْبُولٌ، وَمَا رَدَّهُ فَمَرْدُودٌ، وَمَتَى وَرَدَ السَّمْعُ بِإِيجَابِهِ صَارَ وَاجِبًا إلَى أَنْ يَلْحَقَهُ النَّسْخُ وَالتَّبْدِيلُ. هَذَا كَلَامُهُ، وَأَمَّا الصَّيْرَفِيُّ فَقَالَ: فِي كِتَابِ " الدَّلَائِلِ وَالْأَعْلَامِ ": لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْتِيَ الْكِتَابُ أَوْ السُّنَّةُ أَوْ الْإِجْمَاعُ بِمَا يَدْفَعُهُ الْعَقْلُ، وَإِذَا اسْتَحَالَ ذَلِكَ فَكُلُّ عِبَادَةٍ جَاءَ بِهَا الْقُرْآنُ أَوْ السُّنَّةُ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مُؤَكِّدٌ لِمَا فِي الْعَقْلِ إيجَابُهُ، أَوْ حَظْرُهُ، أَوْ إبَاحَتُهُ كَتَحْرِيمِ الشِّرْكِ، وَإِيجَابِ شُكْرِ الْمُنْعِمِ، وَالثَّانِي: مَا فِي الْعَقْلِ جَوَازُ مَجِيئُهُ وَمَجِيءِ خِلَافِهِ كَالصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ. فَالسَّمْعُ يُرَقِّيهَا مِنْ حَيِّزِ الْجَوَازِ إلَى الْوُجُوبِ. قَالَ: وَلَا يَأْتِي الْخَبَرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ.
قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ حَاكِمٌ عَلَى مَا يَرِدُ بِهِ السَّمْعُ أَنَّهُ الْمُمَيِّزُ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ الْوَارِدَةِ عَلَيْهِ. قَالَ: وَجِمَاعُ نُكْتَةِ الْبَابِ أَنَّ الَّذِي يَرِدُ السَّمْعُ مِمَّا يُثْبِتُهُ الْعَقْلُ إنَّمَا يَأْتِي تَنْبِيهًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [البقرة: ١٦٤] ﴿وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: ١٨٥] وَإِنَّمَا أَتَى بِالشَّيْءِ الَّذِي الْعَقْلُ عَامِلٌ فِيهِ. وَقَدْ يُفَكِّرُ الْإِنْسَانُ فِي خَلْقِ نَفْسِهِ وَخَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَتَدَبُّرِ آثَارِ الصَّنْعَةِ، فَيَسْتَدِلُّ عَلَى أَنَّ لَهَا صَانِعًا حَكِيمًا،
1 / 183