بحر مدید
البحر المديد في تفسير القرآن المجيد
تحقیق کنندہ
أحمد عبد الله القرشي رسلان
ناشر
الدكتور حسن عباس زكي
ایڈیشن نمبر
١٤١٩ هـ
پبلشر کا مقام
القاهرة
اصناف
تفسیر
بُكْمٌ عن النطق به عُمْيٌ عن رؤية نوره، فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ عن غيّهم، ولا يقصرون عن ضلالتهم.
الإشارة: مَثَلُ مَنْ كان في ظلمات الحجاب قد أحاطت به الشكوك والارتياب، وهو يطلب من يأخذ بيده ويهديه إلى طريق رشده، فلما ظهرت أنوار العارفين، وأحدقت به أسرار المقربين، حتى أشرقت من نورهم أقطارُ البلاد، وحَيِيَ بهم جلّ العباد، أنكرهم وبعد منهم، فتصامم عن سماع وعظهم، وتباكَمَ عن تصديقهم، وعَمِيَ عن شهود خصوصيتهم، فلا رجوع له عن حظوظه وهواه، ولا انزجار له عن العكوف على متابعة دنياه، مثله كمن كان في ظلمات الليل ضالًا عن الطريق، فاستوقد نارًا لتظهر له الطريق، فلما اشتعلت وأضاءت ما حوله أذهب الله نورها، وبقي جمرها وحرّها، وهذه سنة ماضية: لا ينتفع بالولي إلا مَن كان بعيدًا منه. وفي الحديث: «أزْهَدُ النَّاسِ في العَالِم جيرانُه»، وقد مَثَّلُوا الولي بالنهر الجاري كلما بَعُدَ جَرْيُه عَمَّ الانتفاعُ به، ومثَّلوه أيضًا بالنخلة لا تُظِلُّ إلا عن بُعْد. والله تعالى أعلم.
ثم ضرب لهم مثلا آخر، فقال:
[سورة البقرة (٢): الآيات ١٩ الى ٢٠]
أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (١٩) يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠)
قلت: (أو) للتنويع، أو بمعنى الواو، و(الصيب): المطر، فَيْعِلٌ، من صاب المطر إذا نزل، وهو على حذف مضاف، أي: أو كذي صيب، وأصله: صيوب، كسيد، قلبت الواو ياء وأدغمت، ولا يوجد هذا إلا في المعتل كميت وهين وضيق وطيب. و(الرعد): الصوت الذي يخرج من السحاب، و(البرق): النور الذي يخرج منه. قال ابن عزيز: رُوِيَ عن رسول الله ﷺ أنه قال: «إِنَّ اللهَ ﷿ ينشئ السَّحَابَ فَتنطِقُ أحْسَنَ النطْق، وتَضْحَكُ أحسَنُ الضحك، فنطقها الرعدُ، وضَحِكُها البَرْقُ» . وقال ابن عباس: (الرعدُ مَلَكٌ يسوقُ السَّحابَ، والبرقُ سَوْطٌ مِنْ نُورٍ يَزْجُرُ بهِ السَّحَاب) . هـ. والصواعق: قطعة من نار تسقط من المخراق الذي بيد سائق السحاب، وقيل: تسقط من نار بين السماء والأرض، والله تعالى أعلم.
1 / 84