فإنهم ما زالوا هذين العامين خائفين من الجهتين: جهة الشام من السلطان محمد بن عثمان؛ لأجل ما كان أهم به من قصد اليمن، كما سبق ذكره، ومن جهة صاحب عمان سلطان بن سيف اليعربي؛ لأجل ما حصل في العام الماضي، وما جرى في أصحابه من ذلك الجاري، وإن كان العماني في العادة ليس ضرره في غير البنادر في تلك الساحة، وإلا فإن جملة جنده كما حققه الحاضر من جهته قدر أربعة آلاف، وإن بعد من بلاده فيخشى من الفرنج الغارات، لكن ضرب السواحل حاصل منه، كما قال الشاعر :
لا تحقرن عدوا رماك
وإن كان في ساعديه قصر
ولذلك قال الأولون من الحزم أن لا يحتقر الرجل عدوه، وإن كان ذليلا، ولا يغفل عنه وإن كان صغيرا، فكم برغوث أسهر فيلا، ومنع الرقاد ملكا جليلا.
وقد ضر في البنادر هذه السنين، ومحق البيع والشراء للبائعين والمشترين[73/ب]. ولما خرج أصحاب العماني عن بلاده، وركب البحر وسار أجناده جاء خبر آخر أنه قصد بعض جزائر البحر، وانتهب من أموالهم، وحمل أشياء من أثقالهم فإن صح هذا الخبر فقد انصرف أمره، واشتغل ما إليه قصده؛ لأنه إن عاد متوجها إلى ساحل عدن فلا بد أن تلحقه الفرنج وتخلفه إلى بلاده، ويقع منهم الصولة على سواحله فقد يرجع إلى دفعهم، ويشتجر الحرب بينه وبينهم، كما وقع ذلك عام ثمانين وألف، فإنهم بعد ما وقع منه ما وقع في بلاد الفرنج خرجوا عليه حتى هزموه إلى بلاده، وقف فيها وإن كان الخبر على قصد غيرهم من أهل الجزائر فلا يخشى منهم، فلا بأس عليه لقلتهم وعدم استقلالهم والقدرة على دفعهم.
صفحہ 389