التتار، وقتل الخليفة المستعصم بالله (^١)، فشغر كرسي الخلافة، ولم يجرؤ واحد من حكام المسلمين على إعادة الخلافة إلى سابق عهدها، حيث تقوقع كل منهم في دويلته، وشغل بمقاومة الأخطار الخارجية، خاصة تلك التي يبيتها التتار والصليبيون، وظل الأمر كذلك حتى اعتلى الظاهر بيبرس (^٢) السلطنة في مصر سنة ٦٥٨ هـ، فبعد توطيد سلطانه بقمع الفتن الداخلية، بادر سلطان مصر إلى إحياء الخلافة العباسية في القاهرة، لإيجاد سند شرعي لسلطنته ضد أعدائها في الداخل والخارج، يكسبها مركزا مرموقا حتى تبدو حامية حمى الإسلام والمسلمين، وإذا لم يكن الظاهر بيبرس أول من فكر في نقل الخلافة العباسية إلى القاهرة (^٣)، فإنه أول من نجح في
_________
(^١) المستعصم بالله، أبو أحمد عبد الله، آخر خلفاء بني العباس بالعراق، تولى الخلافة في سنة ٦٤٠ هـ، وكان حليما كريما، قتله التتار في المحرم سنة ٦٥٦ هـ.
انظر: ابن كثير: البداية ١٣/ ٢١١ - ٢١٦، الذهبي: العبر ٣/ ٢٨٠ - ٢٨١، السيوطي: تاريخ الخلفاء ص ٤٦٤ - ٤٧٢.
(^٢) السلطان ركن الدين، أبو الفتوح بيبرس التركي البندقداري، ثم الصالحي، صاحب مصر والشام، ولي السلطنة في سنة ٦٥٨ هـ، وكان غازيا مجاهدا، مات في سنة ٦٧٦ هـ.
انظر: ابن كثير: البداية ١٣/ ٢٧٤ - ٢٧٧، الذهبي: العبر ٣/ ٣٣١، ابن العماد: شذرات الذهب ٥/ ٣٥٠.
(^٣) فقد فكر الملك الناصر يوسف، صاحب الشام في إحياء الخلافة العباسية أوائل سنة ٦٥٨ هـ، لما علم أن أميرا عباسيا يدعى أبا العباس أحمد، هرب من بغداد عند عيسى بن مهنا أمير آل فضل، ويريد القدوم إلى دمشق، لكن إجتياح التتار للشام، صرف الناصر يوسف عن مشروعه، كما عمد قطز إلى تحقيق الفكرة نفسها، لما علم بخبر أبي العباس أحمد - المذكور - غداة إنتصاره على التتار في عين جالوت - رمضان ٦٥٨ هـ - وطلب من عيسى بن مهنا إنفاذ المذكور إلى مصر لتنصيبه خليفة وإعادته إلى بغداد، غير أن الأجل لم يمهد قطز حتى يحقق هدفه. انظر: ابن أبي الفضائل: النهج السديد ص ٩٣، السيوطي: تاريخ الخلفاء ص ٤٧٨ - ٤٧٩، فمهما يقال أن بعض الحكام المسلمين في بلاد الشام ومصر قد فكروا في إحياء الخلافة قبل بيبرس، فإن هذه المشروعات لم تتحقق، فضلا عن أن أحدها لم يتجه نحو التفكير في إحياء الخلافة العباسية في القاهرة بالذات، مما ضمن للظاهر بيبرس في التاريخ فخر تنفيذ الفكرة عمليا من ناحية، وفخر ربط الخلافة العباسية في ذلك الدور الجديد من أدوار تاريخها بمصر والقاهرة من ناحية أخرى.
انظر: سعيد عاشور: العصر المملوكي ص ٣٥٥.
1 / 35