3
ويرى واجب المرأة لنفسها في ترتيب أعمال الإنسان المنقسمة إلى ثلاثة أنواع: الأعمال التي يحفظ بها حياته، والأعمال التي تفيد عائلته، والأعمال التي تفيد المجتمع، مقررا أن هذه الأعمال من خصائص الرجال والنساء على السواء. ولكنه يضرب صفحا عن نوع الأعمال الثالث؛ لا لقصور المرأة وعجزها الظاهر الآن فحسب؛ بل لأنه يرى «أننا لا نزال إلى الآن في احتياج كبير إلى رجال يحسنون القيام بالأعمال العمومية.» يسلم بأن الفطرة أعدت المرأة إلى الهيئة العائلية ويردد أن «أحسن خدمة تؤديها المرأة إلى الهيئة الاجتماعية هي أن تكون زوجة ووالدة.» إلا أن هذا لا ينسيه الواقع، وهو أن كثيرات ليس لهن عائل ولا واجبات عائلية، وأن عدد هؤلاء اثنان في المائة من مجموع النساء المصريات «فهل من مصلحة للرجال أو لعموم الهيئة الاجتماعية من أن يعيش هؤلاء النساء ضعيفات جاهلات فقيرات؟» ثم يتبسط في الشرح قائلا:
يوجد في كل بلد عدد من النساء لم يتزوج وعدد آخر تزوج وانفصل بالطلاق أو بموت الزوج، ومن النساء من يكون لها زوج ولكنها مضطرة إلى كسب عيشها بسبب شدة فقره أو عجزه أو كسله عن العمل. ومن النساء عدد غير قليل متزوجات وليس لهن أولاد. كل هؤلاء النسوة لا يصح الحجر عليهن. «يقول المعترضون إنهم لا يمنعون النساء الفقيرات من مباشرة أعمال الرجال والاختلاط بهم كما أنهم لا يمنعون المرأة من التعليم إذا كان لازما لكسب عيشها؛ لأن الضرورات تبيح المحظورات» ... «ولا يخفى أن كل نفس حية معرضة لانتياب الحاجات ونزول الضرورات» ... «ولما كان الاطلاع على الغيب أمرا غير ميسور للإنسان وجب أن تستعد كل امرأة لهذه الحوادث قبل أن تقع لها.» فإذا تزوجت بعد ذلك فلا يضرها علمها بل تستفيد منه كثيرا وتفيد عائلتها، وإن لم تتزوج أو تزوجت ثم انفصلت عن زوجها لسبب من الأسباب الكثيرة الوقوع أمكنها أن تستخدم معارفها في تحصيل معاشها بطريقة ترضيها وتكفل راحتها واستقلالها وكرامتها. «يجب أن تربى المرأة على أن تكون لنفسها لا لأن تكون متاعا لرجل ربما لا يتفق لها أن تقترن به مدة حياتها. يجب أن تربى المرأة على أن تدخل في المجتمع وهي ذات كاملة لا مادة يشكلها الرجل كيفما شاء. يجب أن تربى المرأة على أن تجد أسباب سعادتها وشقاءها في نفسها لا في غيرها» ... «وليس معنى ذلك إلزام كل امرأة بالاشتغال بأعمال الرجال، وإنما معناه أنه يجب أن تهيأ كل امرأة للعمل عند مساس الحاجة إليه.»
4
هذه النقطة من الموضوع ينساها كثير ممن يتعرضون لمعالجة تهذيب المرأة فيجزمون بأن لا وجود للمرأة إلا بجانب الرجل. فكيف يحيا ذلك العدد الكبير من النساء الذي لا يعيش للرجل؟ لقد أنصفهن قاسم. ثم تحول إلى الوظيفة المباركة التي سماها واجب المرأة لعائلتها، مفصلا كيف أن الناس عادة يسيئون فهم تلك الوظيفة؛ إذ يجعلونها مقصورة على الأمومة الجسدية، ناسين أن المرأة الحرة هي التي يكون لها نفوذ عظيم صالح في أسرتها، وأن نفوذ الجاهلة المستعبدة لا يتعدى ما يكون «لرئيسة الخدم في البيت»، وكم كان هذا النفوذ سيئ الأثر جالب الهم والغم! يلوم من كانت هذه حالتها مشفقا ناسبا انحطاطها إلى من هو السيد، مرجعا أمره - كما فعلت الباحثة - إلى أصله الحقيقي وهو إهمال الرجل وأنانيته وبطشه. وما تتعلمه البنات الآن ليس بكاف في رأيه لأن:
أكثر ما تعرفه المرأة التي يقال إنها متعلمة هو القراءة والكتابة، وهذه واسطة من وسائط التعليم وليست غاية ينتهي إليها. وما بقي من معارفها فهي قشور تجمعها الحافظة في ريعان العمر ثم تنفلت منها واحدة بعد واحدة حتى لا يبقى شيء.
5
هو يريد شيئا أفضل وأبقى من هذه اللوامع الظاهرة التي يعنى الأهل بطلاء شخصية بناتهم بها من العزف على آلات الطرب، والغناء، ومبادئ الرسم، والكلام بلغة أو بلغات لا يحسن بها غير ثرثرة الاجتماعات وقراءة الروايات، وتظارف الدمى تصنعا بالصوت والحركة. يريد للمرأة شخصية قوية مستقلة، ولا يظنها قادرة على القيام بوظيفتها في العائلة والأمة إلا إذا حازت جانبا كبيرا من المعرفة، وهي الوسيلة الوحيدة التي يرتفع بها «شأن الإنسان من منازل الضعة والانحطاط إلى مراقي الكرامة والشرف.» وإن لم تكن الأم راقية بمعرفتها وفكرها فكيف تستطيع تربية ابنها على مثل ذلك؟ قال:
غاب عنا أن الرجل إنما يكون كما هيأته والدته في صغره. «ويظن الجمهور الأعظم من الناس أن التربية من الهنات الهينات، ولكن من يعرفها حق المعرفة يعلم ألا شيء من الشئون الإنسانية مهما عظم يحتاج إلى علم أوسع ولا نظر أدق ولا عناء أشق مما تحتاج إليه التربية. أما من جهة العلم فلأنها تحتاج إلى جميع العلوم التي توصل إلى معرفة قوانين نمو الإنسان الجسماني والروحاني. وأما من جهة المشقة والعناء فلأن تطبيق هذه القوانين على ما يلائم حال الطفل من يوم ولادته إلى بلوغه سن الرشد يحتاج إلى صبر ومثابرة في العمل ودقة في الملاحظة والمراقبة قلما يحتاج إليها عمل آخر. لا يؤخذ من ذلك أني أذهب إلى أن كل أم يجب عليها أن تحيط بتلك العلوم الواسعة ولكن أن جميع الأمهات يجب عليهن أن يعرفن كلياتها، وكلما زاد علم الواحدة منهن بأصول العلوم وفروعها زادت قوة استعدادها لتربية أولادها» ... «وليس تأثير المرأة في العائلة قاصرا على تربية الأطفال، بل المشاهد بالعيان أن المرأة تؤثر على جميع من يعيش حولها من الرجال. فكم من امرأة سهلت على زوجها وسائل النجاح في أعماله، وأعدت له أسباب الراحة والاطمئنان ليتفرغ لأشغاله!» ... «وكم من امرأة طيبت قلب الرجل وقوت عزيمته في حال اليأس والقنوط! وكم رجل طلب المجد ومعالي الأمور طمعا في إرضاء محبوبته فبلغ الغاية مما طلب!»
6
نامعلوم صفحہ