بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
وَبِه نستعين
الْحَمد لله الَّذِي جعل النّظر فِي أَخْبَار من غبر من أعظم العبر وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على صفوة الصفوة من الْبشر وعَلى آله قرناء الْقُرْآن كَمَا صَحَّ بذلك الْخَبَر وعَلى أَصْحَابه الَّذين أرْغم الله بفضائلهم وفواضلهم أنف من كفر
وَبعد فانه لما شاع على ألسن جمَاعَة من الرعاع اخْتِصَاص سلف هَذِه الْأمة باحراز فَضِيلَة السَّبق فِي الْعُلُوم دون خلفهَا حَتَّى اشْتهر عَن جمَاعَة من أهل الْمذَاهب الْأَرْبَعَة تعذر وجود مُجْتَهد بعد الْمِائَة السَّادِسَة كَمَا نقل عَن الْبَعْض أَو بعد الْمِائَة السَّابِعَة كَمَا زَعمه اخرون وَكَانَت هَذِه الْمقَالة بمَكَان من الْجَهَالَة لَا يخفى على من لَهُ أدنى حَظّ من علم وأنزر نصيب من عرفان وأحقر حِصَّة من فهم لِأَنَّهَا قصر للتفضل الالهى والفيض الربانى على بعض الْعباد دون الْبَعْض وعَلى أهل عصر دون عصر وَأَبْنَاء دهر دون دهر بِدُونِ برهَان وَلَا قرَان على أَن هَذِه الْمقَالة المخذولة والحكاية المرذولة تَسْتَلْزِم خلو هَذِه الْأَعْصَار الْمُتَأَخِّرَة عَن قَائِم بحجج الله ومترجم عَن كِتَابه وَسنة رَسُوله ومبين لما شَرعه لِعِبَادِهِ وَذَلِكَ هُوَ ضيَاع
1 / 2
الشَّرِيعَة بِلَا مربة وَذَهَاب الدَّين بِلَا شكّ وَهُوَ تَعَالَى قد تكفل بِحِفْظ دينه وَلَيْسَ المُرَاد حفظه فِي بطُون الصُّحُف والدفاتر بل ايجاد من يُبينهُ للنَّاس فِي كل وَقت وَعند كل حَاجَة
حدانى ذَلِك الى وضع كتاب يشْتَمل على تراجم أكَابِر الْعلمَاء من أهل الْقرن الثَّامِن وَمن بعدهمْ مِمَّا بلغنى خَبره الى عصرنا هَذَا ليعلم صَاحب تِلْكَ الْمقَالة أَن الله وَله الْمِنَّة قد تفضل على الْخلف كَمَا تفضل على السّلف بل رُبمَا كَانَ فِي أهل العصور الْمُتَأَخِّرَة من الْعلمَاء المحيطين بالمعارف العلمية على اخْتِلَاف أَنْوَاعهَا من يقل نظيرة من أهل العصور الْمُتَقَدّمَة كَمَا سيقف على ذَلِك من أمعن النّظر فِي هَذَا الْكتاب وَحل عَن عُنُقه عرى التَّقْلِيد وَقد ضممت الى الْعلمَاء من بلغنى خَبره من الْعباد وَالْخُلَفَاء والملوك والرؤساء والأدباء وَلم أذكر مِنْهُم إِلَّا من لَهُ جلالة قدر ونبالة ذكر وفخامة شَأْن دون من لم يكن كَذَلِك
فَالْحَاصِل ان الْمَذْكُورين فِي هَذَا الْكتاب هم أَعْيَان الْأَعْيَان وأكابر أَبنَاء الزَّمَان من أهل الْقرن الثَّامِن وَمن بعدهمْ الى الان وَرُبمَا أذكر من أهل عصرى مِمَّن أخذت عَنهُ أَو أَخذ عَنى أَو رافقنى فِي الطّلب أَو كاتبنى أَو كاتبته من لم يكن بِالْمحل الْمُتَقَدّم ذكره لما جبل عَلَيْهِ الانسان من محبَّة أَبنَاء عصره ومصره وَرُبمَا أذكر من أهل عصرى من لم يجر بينى وَبَينه شئ من ذَلِك وَقد استكثر الْمُتَأَخّرُونَ من المشتغلين بأخبار النَّاس المؤلفين فِيهَا من تسجيع الْأَلْفَاظ والتأنق فِي تنقيحها وتهذيبها مَعَ اهمال بَيَان الاحوال والمولد والوفاه وَمثل ذَلِك لَا يعد من علم التَّارِيخ فان مطمح نظر مُؤَلفه وقصارى مَقْصُوده هُوَ مُرَاعَاة الْأَلْفَاظ وابراز النكات
1 / 3
البديعة وَهَذَا علم آخر غير علم التَّارِيخ إِنَّمَا يرغب اليه من أَرَادَ أَن يتدرب فِي البلاغة وَيتَخَرَّج فِي فن الانشاء فَرُبمَا ألجأتنى الضَّرُورَة الى نقل تَرْجَمَة بعض الْأَعْيَان من مثل تِلْكَ المؤلفات وَلم أجد لَهُ ذكرا فِي غَيرهَا فأذكره مهملا عَن ذكر المولد والوفاة منبها على عصره اجمالا مُبينًا لما أمكن بَيَانه من أَحْوَاله وَهَذَا هُوَ الْقَلِيل النَّادِر
والمرجو من الله ﷻ الاعانة على اتمام هَذَا الْكتاب وبروزه فِي الْخَارِج على مادار فِي الْخلد من التَّصَوُّر فَيكون ان شَاءَ الله من أنفس الْكتب وأنفعها لطَالب هَذَا الْفَنّ وَيصير من أمعن النّظر فِي مطالعته بعد امعانه فِي مطالعة تَارِيخ الاسلام والنبلاء وكامل ابْن الْأَثِير وتاريخ ابْن خلكان محيطا باعيان أَبنَاء الزَّمَان من سلف هَذِه الامة وَخَلفهَا وسميته الْبَدْر الطالع بمحاسن من بعد الْقرن السَّابِع قَالَ مُؤَلفه الحقير أَسِير التَّقْصِير مُحَمَّد بن على بن مُحَمَّد الشوكانى غفر الله لَهُ ذنُوبه وَستر عيوبه وَهَذَا أَوَان الشُّرُوع فِي الْمَقْصُود بمعونة الْملك المعبود
وَقد جعلته على حُرُوف المعجم مقدما لمن قَدمته حُرُوف اسْمه وان كَانَ غَيره أقدم مِنْهُ مبتدئا بقطب الْيمن وجنيد ذَلِك الزَّمن الناسك المتأله
(١) إبراهيم بن احْمَد بن علي بن أَحْمد الكينعي
بلّ الله بوابل الرَّحْمَة ثراه وَلم أَقف على تَارِيخ مولده بعد الْبَحْث عَنهُ وَبَنُو الكينعي عرب لَهُم رياسة وَكَانُوا يسكنون قَرْيَة من قرى الْيمن بَينهَا وَبَين ذمار مِقْدَار بريد وَبهَا مولده وانتقل بِهِ أَبوهُ إلى قَرْيَة معبر وَكَانَ قريع أَوَانه وفريد زَمَانه فِي الإقبال على الله والاشتغال بِالْعبَادَة والمعاملة الربانية وبيته معمور بِالْعلمِ والزهد وَالصَّلَاح وَقد تَرْجمهُ بعض معاصريه
1 / 4
بمجلد ضخم وقفت عَلَيْهِ فِي أَيَّام مُتَقَدّمَة وَأَطْنَبَ فِي ذكره جَمِيع من لَهُ اشْتِغَال بِهَذَا الْعلم مُنْذُ عصره إلى الْآن فَمنهمْ السَّيِّد الْعَلامَة الهادي بن إبراهيم الْوَزير وَالسَّيِّد الْعَلامَة يحيى بن المهدي بن قَاسم بن المطهر وَغَيرهمَا
وَكَانَ أحسن النَّاس وَجها وأتمهم خلقَة وَقد غشيه نور الإيمان وسيماء الصَّالِحين وَإِذا خرج نَهَارا ازْدحم النَّاس على تَقْبِيل يَده والتبرك بِرُؤْيَة وَجهه وَهُوَ يكره ذَلِك وينفر عَنهُ يغْضب إِذا مدح ويستبشر إِذا نصح ارتحل بعد موت وَالِده وَهُوَ فِي سن الْبلُوغ إلى صنعاء ولازم ولي الله الزَّاهِد العابد حَاتِم بن مَنْصُور الحملاني فَقَرَأَ عَلَيْهِ فِي الْفِقْه وَقَرَأَ فِي الْفَرَائِض على الشَّيْخ الْخضر بن سُلَيْمَان الهرش وَفِي الْجَبْر والمقابلة وفَاق فِي جَمِيع ذَلِك حَتَّى أقر لَهُ أقرانه وَقَالَ عَن نَفسه أَنه يقتدر على تَقْدِير مَا فِي الْبركَة الْكَبِيرَة من المَاء بالأرطال وَكَانَ يتكسب بِالتِّجَارَة مَعَ قنوع وعفاف واشتغال بأنواع الْعِبَادَة فَجمع مَالا حَلَالا عَاد بِهِ على أَهله وإخوانه وَمن يَقْصِدهُ وَكرر السفر إلى مَكَّة المشرفة وَهُوَ يزْدَاد فِي أَوْصَاف الْخَيْر على اخْتِلَاف أَنْوَاعهَا حَتَّى خالط الْخَوْف قلبه وشغل بوظائف الْعِبَادَة قالبه واستوحش من كل معارفه وَمَال إلى الانعزال عَن النَّاس وانجمع عَن المخالطة لَهُم وَعَكَفَ على معالجة قلبه عَن مرض حب الدُّنْيَا وَلزِمَ المحاسبة لنَفسِهِ عَن كل جليل ودقيق وَصَامَ الْأَبَد إِلَّا الْعِيدَيْنِ والتشريق وَأَحْيَا ليله بِالْقيامِ لمناجاة ربه وتناقل النَّاس عَنهُ كَلِمَات نافعة هِيَ الدَّوَاء المجرب لاصلاح الْقُلُوب القاسية كَقَوْلِه لَيْسَ الزَّاهِد من يملك شَيْئا إِنَّمَا الزَّاهِد من لَا يملك شَيْئا وَكَقَوْلِه لبَعض إخوانه يَا أخي جدد السَّفِينَة فإن الْبَحْر عميق وَأكْثر الزَّاد فإن الطَّرِيق بعيد وأخلص الْعَمَل فان النَّاقِد بَصِير
1 / 5
بَصِير وَكَقَوْلِه بالفقر والافتقار والذل والانكسار تحيى قُلُوب العارفين وَمن شعره الَّذِي تحيى بِهِ الْقُلُوب قَوْله
ببابك عبد وَاقِف متضرع ... مقل فَقير سَائل متطلع)
(حَزِين كئيب من جلالك مطرق ... ذليل عليل قلبه مُنْقَطع)
وَمِنْهَا
(فُؤَادِي محزون ونومي مشرد ... ودمعي مسفوح وقلبي مروع)
وَكَانَ مجاب الدعْوَة فِي كل مَا يتَوَجَّه لَهُ وَله فِي ذَلِك حكايات وَرِوَايَات وَكَانَ إِذا دعي إلى طَعَام لَيْسَ من الْحَلَال الْخَالِص يَبِسَتْ يَده وَلم يقدر على مدها إليه وَقد رَآهُ بعض الصَّالِحين بعد مَوته وَهُوَ فِي مَكَان أرفع من مَكَان إبراهيم بن أدهم فَقَالَ سُبْحَانَ الله منزلَة إبراهيم الكينعي أرفع من منزلَة إبراهيم بن أدهم فَسمع قَائِلا يَقُول لَوْلَا أَن منَازِل الْأَنْبِيَاء لَا يحل بهَا غَيرهم لَكَانَ بهَا إبراهيم الكينعي وجاور فِي آخر عمره ثَلَاث سِنِين بِالْبَيْتِ الْحَرَام فوصل إلى جازان وَكَانَ قد انْقَطع عَنْهُم الْمَطَر مُدَّة طَوِيلَة فَسَأَلُوهُ أَن يَدْعُو لَهُم بالمطر فَدَعَا لَهُم فَحصل من الْمَطَر مَا عَم نَفعه وبركته جَمِيع تِلْكَ الْبلدَانِ ثمَّ وصل إلى صعده وَكَانَ بهَا مَوته ﵀ فِي صبح نَهَار الْأَرْبَعَاء السَّابِع وَالْعِشْرين من ربيع الأول سنة ٧٩٣ ثَلَاث وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَوهم الصَّفَدِي فِي كِتَابه الوافي بوفيات الأعيان فَقَالَ إنه توفي فِي سنة ٧٨٤ أَربع وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة وَالصَّحِيح مَا ذَكرْنَاهُ وقبر بِرَأْس الميدان غربي مَدِينَة صعدة وَعمر عَلَيْهِ مشْهد وَهُوَ مَشْهُور يزأر فِي تِلْكَ الديار وَقد رثاه جمَاعَة من الشُّعَرَاء مِنْهُم السَّيِّد الْعَلامَة الْهَادِي إبراهيم بقصيدة طنانة مطْلعهَا
1 / 6
(شجر السَّلامَة والكرامة أينعي ... للقاء سيدنَا الإمام الكينعي)
والإحاطة بِبَعْض الْبَعْض من مَنَاقِب هَذَا الإمام تقصر عَنْهَا ألسن الأقلام فَمن رام الْوُقُوف على مَا يكون لَهُ من أعظم العبر فَلْينْظر فِي سيرته الَّتِى قدمت الإشارة إليها وَقد بسط فِيهَا الْكَلَام على أَحْوَاله ووظايف عباداته
(٢) إبراهيم بن احْمَد اليافعي الصَّنْعَانِيّ المولد وَالدَّار والوفاة
الشَّاعِر الْمَشْهُور الْمجِيد الْفَائِق فِي جَمِيع الأنواع فَمن شعره القصيدة الَّتِى مطْلعهَا
(هَذَا العذيب بدا فَقل بشرا كَا ... والزم اخائي لاعدمت أخاكا)
وَمن شعره القصيدة الَّتِي مطْلعهَا
(أعيدوا على سمعي الحَدِيث وكرروا ... قديم اللِّقَاء وَالْوَقْت كالعيش أَخْضَر)
وَمِنْهَا فِي الِاسْتِخْدَام
(وأصبوا إلى وَادي العقيق وسفحه ... على وجنتي من مقلتي يتحدر)
وَقَبله فِي الِاسْتِخْدَام أَيْضا
(أميل إلى ذكر الغضا وأنثني ... ونيرانه فِي مهجتي تتسعّر)
وَمَا أحسن قَوْله فِيهَا
(أهيم بِذكر المنحنا وسويلع ... وأنشق أنفاس الصباحين تعبر)
(وَمَا هَمت فِي قد وجيد ومقلة ... وَلَا شاقني ثغر شنيب معطر)
وَهُوَ مَوْجُود فِي دولة الإمام الْمهْدي مُحَمَّد بن أَحْمد صَاحب الْمَوَاهِب وَفِي دولة من قبله من الْخُلَفَاء وَمَات يَوْم السبت الثَّالِث وَالْعِشْرين فِي شهر رَجَب سنة ١١١٠ عشر وَمِائَة وَألف وَقد بَالغ فِي حَقه صَاحب
1 / 7
نسمَة السحر وَقدمه على شعراء عصره فَلم يُصِيب فَهُوَ لم يرتق إلى منزلَة رَفِيقه ومعاصره الشَّيْخ إبراهيم الْهِنْدِيّ الْآتِي ذكره وَلَا كَاد وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ منسجم الشّعْر قَلِيل التَّكَلُّف
(٣) إبراهيم بن أَحْمد خَان سُلْطَان الروم
استولى على السلطنة فِي أَيَّام أَخِيه السُّلْطَان مُرَاد بن احْمَد وَتمّ لَهُ الدست وَكَانَ سَبَب ذَلِك أَن السُّلْطَان مُرَاد تجهز بجيوشه إلى محاصرة بَغْدَاد وَقد كَانَ استولى عَلَيْهَا الشاه سُلْطَان الْعَجم وَهِي كَانَت من ممالك السُّلْطَان مُرَاد فَلَمَّا بلغه أَن أَخَاهُ السُّلْطَان إبراهيم قد استولى على الدست مَاتَ كمدًا واستقرت قدم صَاحب التَّرْجَمَة فِي السلطنة وَكَانَ قعوده على دستها فِي سنة ١٠٥٠ خمسين وَألف وَله جهادات وفتوحات مَشْهُورَة وَاسْتمرّ سُلْطَانا إلى أَن مَاتَ فِي سنة ١٠٦٣ ثَلَاث وَسِتِّينَ وألف وَصَارَت السلطنة إلى وَلَده مُحَمَّد بن إبراهيم وَكَانَ يَوْمئِذٍ فِي سنّ الْبلُوغ وابتدأء سلطنته بمصاولة الإفرنج وغزوهم إلى دِيَارهمْ
(٤) إبراهيم بن احْمَد بن نَاصِر بن خَليفَة بن فرج بن يحيى بن عبد الرَّحْمَن
الْمَقْدِسِي الناصري الباعوني الدمشقي الصَّالِحِي الشافعي وباعون بِالْمُوَحَّدَةِ والمهملة المضمومة قَرْيَة من قرى حوران بِالْقربِ من عجلون والناصرة قَرْيَة من عمل صفد ولد فِي لَيْلَة الْجُمُعَة سَابِع عشر رَمَضَان سنة ٧٧٧ سبع وَسبعين وَسَبْعمائة بصفد وَنَشَأ بهَا فحفظ الْقُرْآن تجويدا على الشهَاب حسن بن حسن الفرغني إمام جَامعهَا وَحفظ بعض الْمِنْهَاج ثمَّ انْتقل مِنْهَا قَرِيبا من سنّ الْبلُوغ مَعَ أَبِيه إلى الشَّام فَأخذ الْفِقْه عَن الشرف الغزي وَغَيره
1 / 8
ولازم النُّور الأنباري حَتَّى حمل عَنهُ الْكثير من الْفِقْه والعربية واللغة وَبِه انْتفع فِي عُلُوم الْأَدَب وَغَيرهَا وَدخل مصر لَعَلَّه قَرِيبا من سنة ٨٠٤ أَربع وثمان مائَة فَأخذ عَن السراج البلقيني ولازمه سنة وَأخذ عَن الْكَمَال الدميري شَيْئا من مصنفاته ولازمه وَسمع إِذْ ذَاك على العراقي والهيثمي وَتردد بهَا إلى غير وَاحِد من شيوخها ثمَّ عَاد إلى بَلَده فَأَقَامَ بهَا على أحسن حَال وأجمل طَريقَة وَسمع على أَبِيه وَالْجمال ابْن الشرائحي والتقى صَالح بن خَلِيل بن سَالم وَعَائِشَة ابْنة عبد الهادى وَالشَّمْس بن حطاب وباشر نِيَابَة الحكم عَن أَبِيه والخطابة بِجَامِع بني أُمِّيّه ومشيخة الشُّيُوخ وَنظر الْحَرَمَيْنِ ثمَّ صرف وجهز إليه الْقَضَاء حِين اسْتَقر الْكَمَال بن البارزي في كِتَابَة سر الديار المصرية فَامْتنعَ وصمم وراجعه النَّائِب وَغَيره من أَعْيَان الرؤساء فَمَا أذعن وتكرر خطبه لذَلِك مرة بعد أُخْرَى إلى أَن قيل لَهُ فعين لنا من يصلح فعين أَخَاهُ وَولى مشيخة الخانقاه الباسطيه من صالحية دمشق وروي عَنهُ حِكَايَة عَجِيبَة وهي أَنه دخل على واقفها قبل أَن يَجْعَلهَا مدرسة فَأَعْجَبتهُ وَقَالَ فِي نَفسه إنه لَا يتهيأ لَهُ سُكُون مثلهَا الا فِي الْجنَّة فَلَمَّا انْفَصل عَنهُ بعد السَّلَام عَلَيْهِ لم يصل إلى بَابهَا إلا وَبَعض جمَاعَة صَاحبهَا قد تبعه وَأخْبر أَنه تحدث عقب خُرُوجه بأنه سيجعلها مدرسة ويقرره في مشيختها ثمَّ جعلهَا كَذَلِك وَقَررهُ فِيهَا وَهُوَ مَحْمُود الْمُبَاشرَة في جَمِيع مَا تولاه يصمم على الْحق وَلَا يلْتَفت إلى رسائل الكبراء في شفاعات وَنَحْوهَا
وَله مؤلفات مِنْهَا مُخْتَصر الصِّحَاح للجوهري وَهُوَ مُخْتَصر حسن وَله ديوَان خطب ورسائل وديوان شعر ومؤلف سَمَّاهُ الْغَيْث الهاتن في وصف العذار الفاتن أَتَى فِيهِ بمقاطيع فائقة نَحْو مائَة وَخمسين مَقْطُوعًا
1 / 9
أودع كلًا مِنْهَا معنى غَرِيبا غير الآخر مَعَ كَثْرَة مَا قَالَ النَّاس فى ذَلِك وَله رسائل عاطلة عَن النقط من عجائب الْوَضع في السلاسة والانسجام وَصَارَ شيخ الْأَدَب بالبلاد الشامية بِغَيْر مدافع كَذَا قَالَ السخاوي في تَارِيخه وَابْن حجر في مُعْجَمه وَقَالَ المقريزي أَنه مهر في عدَّة فنون سِيمَا الأدب فَلهُ النظم الْجيد وَكَانَ يحْكى أَن الزيني عبد الباسط قَالَ لَهُ إن مراسلاتك المسجعة إلينا تبلغ أَربع مجلدات وإذا كَانَ هَذَا مِقْدَار مَا كتبه إلى فَرد من أَفْرَاد النَّاس فَمَا ظَنك بِمَجْمُوع مَا كتبه وَالْحَاصِل أَنه وَقع الِاتِّفَاق من جَمِيع من تَرْجمهُ على أَنه لم يكن في عصره من يدانيه فى النّظم والنثر مَاتَ يَوْم الْخَمِيس رَابِع عشر ربيع الأول سنة ٨٧٠ سبعين وثمان مائَة وَصلى عَلَيْهِ بالجامع المظفري وَدفن بالروضة من سفح قاسيون يوصية مِنْهُ وَمن شعره
(سل الله رَبك مَا عِنْده ... وَلَا تسْأَل النَّاس مَا عِنْدهم)
(وَلَا تبتغي من سواهُ الْغِنَا ... وَكن عَبده لَا تكن عبدهم)
وَله
(سئمت من الدُّنْيَا وصحبة أَهلهَا ... وأصبحت مرتاحا الى نقلتى مِنْهَا)
(وَوَاللَّه مَا آسى عَلَيْهَا وأننى ... وَإِن رغبت فِي صحبتى رَاغِب عَنْهَا)
وَله
(اذا اسْتغنى الصّديق وصا ... رذا وصل وَذَا قطع)
(وَلم يبد احتفالابى ... وَلم يحرص على نفعى)
(فأنأى عَنهُ استغى ... بجاه الصَّبْر والقنع)
(وأحسب أَنه مَا مرّ ... في الدُّنْيَا على سمعي)
1 / 10
(٥) إبراهيم بن حسن بن أَحْمد بن مُحَمَّد اليعمري
زاهد الْعَصْر وناسك الدَّهْر
ولد سنة ١١٦٤ أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَة وَألف وتلى الْكتاب الْعَزِيز على شيخ الْقُرْآن الْعَظِيم صَالح الجرادي وَأخذ في الْآلَات على شَيخنَا السَّيِّد الْعَلامَة عبد الله بن الْحسن بن علي بن حُسَيْن بن علي بن المتَوَكل وَأخذ الْفِقْه والفرائض على السَّيِّد بن حسن الصعدى وَأخذ في علم السنّة على السَّيِّد الْعَلامَة الْحُسَيْن بن عبد الله الكبسي وانتفع بِعِلْمِهِ فَعمل بِهِ وَعَكَفَ على الْعِبَادَة وتحلّى بالزهد وَصَارَ عَابِد الْعَصْر وزاهده وانْتهى إليه الْوَرع وَحسن السمت والتواضع والاشتغال بِخَاصَّة النَّفس وَاتفقَ النَّاس على الثَّنَاء عَلَيْهِ والمدح لشمائله فَصَارَ الْمشَار إليه في هَذَا الْبَاب وانتفع النَّاس بصلاح دعواته وقصدوه لذَلِك وَهُوَ الْآن حَسَنَة الزَّمن وزينة الْيمن مَعَ الْمُحَافظَة على الشَّرْع والاقتداء برَسُول الله ﵌ والاستكثار من النَّوَافِل والأوراد وَكَانَ جده أَحْمد على هَذِه الصفة الَّتِى حفيده هَذَا عَلَيْهَا زَاده الله مِمَّا أولاه ونفع بِهِ وَمَات ﵀ لعشرين خلت من شهر شَوَّال سنة ١٢٢٣ ثَلَاث وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وألف
(٦) إبراهيم بن حسن بن شهَاب الدَّين الكوراني
الشهرزوري الشهراني الكردي
الشافعي الإمام الْكَبِير الْمُجْتَهد ولد فِي سنة ١٠٢٥ خمس وَعشْرين وَألف بِبِلَاد شَهْرَان من جبال الكرد وَنَشَأ في عفة طَاهِرَة فَأخذ في بِلَاده الْعَرَبيَّة والمنطق والحساب والهيئة والهندسة وَغير ذَلِك وَكَانَ دأبه إذا
1 / 11
عرضت لَهُ مَسْأَلَة في فن أتقن ذَلِك الْفَنّ غَايَة الإتقان ثمَّ قَرَأَ في الْمعَانى وَالْبَيَان والأصول وَالْفِقْه وَالتَّفْسِير ثمَّ سمع الحَدِيث عَن جمَاعَة في غير بِلَاده كالشام ومصر والحجاز والحرمين وَقد ذكر مشايخه في الْأُمَم وَترْجم لكل وَاحِد مِنْهُم
وَله مصنفات كَثِيرَة حَتَّى قيل إِنَّهَا تنيف على ثَمَانِينَ مِنْهَا إتحاف الْخلف بتحقيق مَذْهَب السّلف واتحاف الْمُنِيب الأواه بِفضل الْجَهْر بِذكر الله واعمال الْفِكر وَالرِّوَايَات في شرح حَدِيث إِنَّمَا الأعمال بِالنِّيَّاتِ ولوامع اللآل فى الْأَرْبَعين العوال ومسلك الارشاد الى الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فى الْجِهَاد وانباه الإنباه في إعراب لَا إِلَه إِلَّا الله وَقصد السَّبِيل وَغير ذَلِك وبرع في جَمِيع الْفُنُون وأقرأ باللغة الْعَرَبيَّة والفارسية والتركية وَسكن بعد ذَلِك مَكَّة المشرفة وانتفع بِهِ النَّاس ورحلوا اليه وَأخذُوا عَنهُ في كل فن حَتَّى مَاتَ في ثامن عشر شهر جُمَادَى الأولى سنة ١١٠١ وَاحِدَة وَمِائَة وَألف وَدفن بعد الْمغرب ببقيع الْغَرْقَد وَأَنا أروي عَن يُوسُف بن مُحَمَّد بن عَلَاء الدَّين عَن أَبِيه عَن جده عَنهُ بِالسَّمَاعِ من عَلَاء الدَّين مِنْهُ
(٧) إبراهيم بن خَالِد بن أَحْمد بن قَاسم العلفي ثمَّ الصنعاني
ولد على رَأس الْقرن الحادي عشر تَقْرِيبًا وَقيل سنة ١١٠٦ سِتّ وَمِائَة وَألف أوفى الَّتِى بعْدهَا وَنَشَأ بِصَنْعَاء فَطلب علم الْفُرُوع وحققه ثمَّ طلب بَقِيَّة عُلُوم الِاجْتِهَاد فشارك فِيهَا مُشَاركَة قَوِيَّة واشتهر بِصَنْعَاء وَبعد صيته وقصده طلبة علم الْفُرُوع فَأخذُوا عَنهُ وتنافسوا في ذَلِك واستفادوا وصاروا أعيانًا وَكَانَ يقْصد بالفتاوى من الْعَامَّة والخاصة
1 / 12
ويعارض باجتهاداته وصحيح أنظاره أنضار أكَابِر عُلَمَاء عصره كالسيد الْعَلامَة مُحَمَّد بن إسماعيل الأمير وَغَيره وَلِلنَّاسِ بِمَا يصدر عَنهُ من الْفَتَاوَى اشْتِغَال ورغبة عَظِيمَة وهي مَجْمُوعَة في مُجَلد جمعهَا الْعَلامَة حَامِد بن حسن شَاكر الآتي ذكره وَشرع في جمع حَاشِيَة على الأزهار وَلم تكمل وَهُوَ مِمَّن يضْرب بزهده الْمثل وَمَات وَلم يتَزَوَّج وَكَانَ مَوته في وسط الْقرن الثاني عشر وأرّخه بَعضهم في ثامن عشر شعْبَان سنة ١١٥٦ سِتّ وَخمسين وَمِائَة وَألف وَمن مشايخه السَّيِّد الْعَلامَة هَاشم ابْن يحيى الشامى وَالسَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن إسماعيل الأمير وَالسَّيِّد الْعَلامَة مُحَمَّد بن زيد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن الْقَاسِم ومولده برداع ثمَّ هَاجر إلى ذمار وارتحل بعد ذَلِك إلى صنعاء وَاسْتقر بهَا حَتَّى مَاتَ
(٨) إبراهيم بن شيخ الأمير صارم الدَّين بن السُّلْطَان شيخ
الآتي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى ولد بالبلاد الشامية فِي أوائل الْقرن الثَّامِن تَقْرِيبًا وَأمه أم ولد اسْمهَا نور مَاتَت قبل سلطنة أَبِيه ذكره ابْن خطيب الناصرية فَقَالَ كَانَ مَعَ أَبِيه وَهُوَ صَغِير حِين كَانَ نَائِب حلب ثمَّ
1 / 13
قدمهَا مَعَه فِي أَيَّام سلطنته ثمَّ لما جرده أَبوهُ فِي سنة ٨٢٢ اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وثمان مائَة لفتح الْبِلَاد القرمانية وَمَعَهُ عدَّة من المقدمين كططر وجقمق وَغَيرهمَا فَفَتحهَا وَفتح غَيرهَا وَأقَام هُنَالك ثَلَاثَة أشهر ثمَّ عَاد إلى حلب فِي أثْنَاء رَجَب وَنزل بقلعتها وَأقَام بهَا إلى الْعشْر الأخيرة من شعْبَان إلى أَن رسم لَهُ بِالرُّجُوعِ إلى الديار المصرية فَرجع بالعساكر فِي أَوَاخِر شعْبَان وبرز أَبوهُ لملاقاته فِي سَابِع عشر رَمَضَان وتيمن بطلعته فَلم يلبث أَن مَاتَ فِي يَوْم الْجُمُعَة منتصف جُمَادَى الْآخِرَة سنة ٨٢٣ ثَلَاث وَعشْرين وثمان مائَة مسمومًا وَكَانَ شَابًّا حسنا شجاعًا عِنْده حشمة وملوكية كَرِيمًا عَاقِلا مائلًا إلى الْخَيْر وَالْعدْل والعفة عَن أَمْوَال النَّاس وَلما لقِيه الأمراء سلم عَلَيْهِم وَهُوَ رَاكب وبمجرد أَن عاين النَّاصِر بن البارزي كَاتب السِّرّ نزل عَن فرسه وتعانقا لعلمه بتمكنه عِنْد أَبِيه ثمَّ عَاد الْجَمِيع في خدمته إلى منزله فَلَقوا السُّلْطَان هُنَالك فَنزل الْأُمَرَاء القادمون صُحْبَة الأمير إبراهيم ثمَّ نزل هُوَ وَقبل الأَرْض ثمَّ قَامَ وَمَشى حَتَّى قبل ركاب أَبِيه فبكي لفرحه بِهِ وَبكى النَّاس لبكائه وَكَانَت سَاعَة عَظِيمَة ثمَّ سارا بموكبهما إلى خانقاه سريا قوسي وباتا بهَا لَيْلَة الْخَمِيس تَاسِع عشر وَركب السُّلْطَان من اللَّيْل فَرمى الطير بِالْبركَةِ واصطاد وَدخل السُّلْطَان الْقَاهِرَة من بَاب النَّصْر وَقد احتفل النَّاس بالزينة لوَلَده وَهُوَ بتشريف هائل وَخَلفه الأسرى الَّذين جاءبهم وهم نَحْو الْمِائَتَيْنِ فى الأغلال وَكَانَ يَوْمًا مشهودًا وَنزل إلى دَاره وَاسْتمرّ على حَاله فَدس كَاتب السِّرّ إِلَى أَبِيه فى غُضُون ذَلِك من يُخبرهُ أَنه صَار يتوعد أَبَاهُ بِالْقَتْلِ وأنه يتَمَنَّى مَوته لكَونه يحب بعض حظاياه وَلَا يتَمَكَّن مِنْهَا إِلَّا
1 / 14
خُفْيَة وَبرهن على ذَلِك بأمارات وعلامات وأنه صمم على قَتله بالسم أَو غَيره إن لم يمت عَاجلا من الْمَرَض مَعَ مَا فِي نَفسه من محبَّة الاستبداد وإنه يعد الأمراء بمواعيد فَحِينَئِذٍ أذن السُّلْطَان لبَعض خواصه أَن يُعْطِيهِ مَا يكون سَببا لقَتله من غير إسراع فدسوا إليه من سقَاهُ من المَاء الذي يطفى فِيهِ الْحَدِيد فَلَمَّا شربه أحس بالمغص فِي جزفه فعالجه الْأَطِبَّاء مُدَّة وَنَدم السُّلْطَان على مَا فرط مِنْهُ وَأمر الْأَطِبَّاء بِالِاجْتِهَادِ فِي علاجه فلازموه نصف شهر إلى أَن تراجعت إليه بعض الصِّحَّة وَركب فِي محفة وَكَاد أَن يتعافى فدسوا عَلَيْهِ من سقَاهُ ثَانِيًا من غير علم أَبِيه فانتكس وَاسْتمرّ إلى خَامِس عشر جُمَادَى الأولى وَنزل أَبوهُ لعيادته ثمَّ مَاتَ فِي التَّارِيخ الْمُتَقَدّم وَاشْتَدَّ جزع أَبِيه عَلَيْهِ إلا أَنه تجلد وأسف النَّاس كَافَّة على فَقده وشاع بَينهم أن أَبَاهُ سمه إِلَّا أَنهم لَا يَسْتَطِيعُونَ التَّصْرِيح بذلك قَالَ السخاوي وَلم يَعش أَبوهُ بعده سوى سِتَّة أشهر وأيامًا كدأب من قتل أَبَاهُ أَو ابْنه على الْملك فَتلك عَادَة مُسْتَقِرَّة وَطَرِيقَة مستقرأة وَكَذَا قَالَ ابْن حجر وَصَارَ الَّذين حسّنوا لَهُ ذَلِك الْفِعْل يبالغون فِي ذكر معايبه وينسبونه إلى الإسراف على نَفسه والتبذير والمجاهرة بِالْفِسْقِ من اللواط وَالزِّنَا وَالْخمر والتعرّض لحرم أَبِيه وَغير ذَلِك مِمَّا كَانَ برَاء عَن أَكْثَره وَعند الله يجْتَمع الْخُصُوم وخطب ابْن خطيب الناصرية يَوْم مَوته وَهُوَ يَوْم الْجُمُعَة خطْبَة حَسَنَة سبك فِيهَا قَوْله ﵌ تَدْمَع الْعين ويحزن الْقلب وَلَا نقُول مَا يسْخط الرب وإنا عَلَيْك يَا إبراهيم لَمَحْزُونُونَ فأبكى السُّلْطَان وَمن حضر وَبعد مَوته وَقع الْخلَل فِي دولة وَالِده السُّلْطَان وَمَات
1 / 15
الساعون فِي هَلَاك وَلَده وَاحِدًا بعد وَاحِد وَلم يستكمل بعده ابْن البارزى أَرْبَعَة أشهر
(٩) الشَّيْخ ابراهيم بن صَالح الهندى الصَّنعاني الشَّاعِر الْمَشْهُور
كَانَ أشعر أهل عصره غير مدافع وَله ديوَان شعر فِي مُجَلد ضخم رَأَيْته فِي أَيَّام قديمَة فَوجدت فِيهِ مَا هُوَ فِي الطَّبَقَة الْعليا والمتوسطة والسافلة وَلَكِن الْجيد أغلب وَكَانَ يتشبه فِي مدحه وحماسته بأبي الطيب وَمن فائق مقطعاته قَوْله
(أشبه ثغره والقات فِيهِ ... وَقد لانت لرقَّته الْقُلُوب)
(لآل قد نبتن على عقيق ... وَبَينهمَا زمردة تذوب)
وَمن مقطعاته فِي مليح يسبح فِي مَاء
(وأبيض عاينته سابحًا ... فِي لجة للْمَاء زرقاء)
(فَقلت هَذَا الْبَدْر فِي لجة ... أم ذَا خيال الشَّمْس فِي المَاء
وَكَانَ وَالِده من جملَة البانيان الواصلين إلى صنعاء فَأسلم على يَد بعض آل الإمام وَحسن إسلامه وَنَشَأ وَلَده هَذَا مشغوفًا بالأدب مُولَعا بعالي الرتب وَأكْثر مدائحه فِي الإمام المهدي أَحْمد بن الْحسن بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد ومدح الإمام المتَوَكل إسماعيل بن الْقَاسِم وَابْنه علي بن المتَوَكل وَمُحَمّد ابْن الْحسن وَلما صَارَت الْخلَافَة إلى المهدي صَاحب الْمَوَاهِب وَفد إليه صَاحب التَّرْجَمَة وَقد كَانَ بلغه عَنهُ شئ فَقَالَ لَهُ بأيِّ شَفِيع جِئْت فَقَالَ لَهُ بِهَذَا وَأخرج الْمُصحف من صَدره فَقَالَ قد قبلنَا هَذَا الشَّفِيع وَلَكِن لَا أَرَاك بعد الْيَوْم فتغيب عَنهُ من ذَلِك الْيَوْم ولازم الْعِبَادَة والتزهد وَكَانَ إِذا
1 / 16
قَامَ إلى الصَّلَاة اصفر لَونه وَحج وَمَات عقب عوده فِي سنة ١١٠٠ مائَة وألف أَو فِي الَّتِى قبلهَا
(١٠) السَّيِّد إبراهيم بن عبد الْقَادِر بن أَحْمد بن عبد الْقَادِر بن النَّاصِر بن عبد الرب بن علي بن شمس الدَّين بن الإمام شرف الدَّين الْعَلامَة ابْن شَيخنَا الإمام
الآتي ذكره إن شَاءَ الله تَعَالَى ولد فِي لَيْلَة ثامن عشر رَمَضَان سنة ١١٦٩ تسع وَسِتِّينَ وَمِائَة وَألف وَتخرج بشيخنا وَالِده رَحْمَة الله فِي النَّحْو
1 / 17
وَالصرْف والمنطق والمعاني وَالْبَيَان وَالْأُصُول وَالْعرُوض واللغة والْحَدِيث وَالتَّفْسِير وبرع فِي جَمِيع هَذِه المعارف وَصَارَ الْآن من أَعْيَان عُلَمَاء الْعَصْر المفيدين المجيدين ارتحل مَعَ وَالِده من كوكبان إلى مَدِينَة صنعاء وَمَا زَالَ مكبّا على الْقِرَاءَة على وَالِده ورافقني فِي بعض مَا سمعته مِنْهُ وَبعد موت وَالِده في تَارِيخه الآتي قَصده الطّلبَة إلى منزله وقرأوا عَلَيْهِ فِي فنون مُتعَدِّدَة وَله رسائل ومسائل مفيدة مَعَ تواضع وَحسن أَخْلَاق وكرم وعفاف وشهامة نفس وصلابة دين وَحسن محاضرة وَقُوَّة عارضة وفصاحة ورجاحة وقدرة على النّظم والنثر وسيلان ذهن جمَّل الله بِوُجُودِهِ ونفع بِعُلُومِهِ وَهُوَ الْآن فِي قيد الحيوة مَا بَين الْأَرْبَعين وَالْخمسين وَله تلامذة نبلاء فضلاء تخْرجُوا بِهِ ولزموا طَرِيقَته فصاروا من أعيان الْعلمَاء والمترجم لَهُ عافاه الله لَا تقيد بِمذهب وَلَا يُقَلّد فِي شَيْء من أُمُور دينه بل يعْمل بنصوص الْكتاب وَالسّنة ويجتهد رَأْيه وَهُوَ أهل لذَلِك وَله معرفَة بعلوم أُخْرَى غير مَا قدمنَا ذكره مِنْهَا مَا اسْتَفَادَ عَن وَالِده وَمِنْهَا مَا عرفه بفاضل ذهنه وقويم فكره وَتُوفِّي رَحْمَة الله فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء لَعَلَّه ثَالِث عشر شهر رَمَضَان سنة ١٢٢٣ ثَلَاث وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ والف
1 / 18
(١١) السَّيِّد إبراهيم بن عبد الله بن إسماعيل الحوثيِّ ثمَّ الصَّنعاني
ولد ثامن شهر شَوَّال سنة ١١٨٧ سبع وَثَمَانِينَ وَمِائَة وألف وَقَرَأَ على شَيخنَا الْعَلامَة الْقَاسِم بن يحيى الخولاني وعَلى السَّيِّد الْعَلامَة علي بن عبد الله الْجلَال وعَلى السَّيِّد الْعَلامَة إبراهيم بن عبد الْقَادِر بن أَحْمد وَلَعَلَّه أَخذ عَن شَيخنَا الإمام السَّيِّد عبد الْقَادِر بن أَحْمد في آخر مدَّته واستفاد صَاحب التَّرْجَمَة فِي عدَّة عُلُوم مِنْهَا النَّحْو وَالصرْف والمنطق والمعاني وَالْبَيَان والأصول والْحَدِيث وَالتَّفْسِير وبرع فِي هَذِه الْعُلُوم وتاقت نَفسه إلى مطالعة فنون من علم الْمَعْقُول فادرك فِيهِ إدراكًا جيدًا لجودة فهمه وَحسن تصَوره وَهُوَ الْآن ملازم للسَّيِّد الْعَلامَة إبراهيم بن عبد الْقَادِر الْمَذْكُور قبله وَلَا يُفَارِقهُ فِي غَالب الْأَوْقَات فيستفيد مِنْهُ ويفيد وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ من محَاسِن الزَّمن وَمن الضاربين بِسَهْم وافر في كل فن وَهُوَ الْآن يشْتَغل بِجمع تراجم عُلَمَاء الْقرن الثاني عشر من أهل الْيمن وَقد بعث إليَّ بَعْضهَا فرأيته قد جوّد غَالب تِلْكَ التراجم وطولها وَهُوَ كمشايخه في اجْتِهَاد رَأْيه وَالْعَمَل بِمَا يَقْتَضِيهِ الدَّلِيل ثمَّ مَاتَ ﵀ فِي يَوْم الْأَحَد ثامن شهر شَوَّال سنة ١٢٢٣ ثَلَاث وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَألف
(١٢) إبراهيم بن عمر بن حسن بن الرِّبَاط
بِضَم الرَّاء بعْدهَا مُوَحدَة خَفِيفَة ابْن علي بن أَبى بكر البقاعي نزيل الْقَاهِرَة ثمَّ دمشق الإمام الْكَبِير برهَان الدَّين ولد تَقْرِيبًا سنة ٨٠٩ تسع وثمان مائَة بقرية من عمل الْبِقَاع وَنَشَأ بهَا ثمَّ تحوَّل إلى دمشق ثمَّ فَارقهَا وَدخل بَيت الْمُقَدّس ثمَّ الْقَاهِرَة وَقَرَأَ على التَّاج بن بهادر فِي الْفِقْه والنحو وعَلى الجزرى فِي القرا آتٍ جَمِيعًا للعشرة على أثْنَاء سُورَة الْبَقَرَة
1 / 19
وَأخذ عَن التقي الحصني والتاج الغرابيلي والعماد بن شرف والشرف السبكي والْعَلَاء القلقشندي والقاياني والحافظ ابْن حجر وأبي الْفضل المغربي وبرع فِي جَمِيع الْعُلُوم وفَاق الأقران لَا كَمَا قَالَ السخاوي أَنه مَا بلغ رُتْبَة الْعلمَاء بل قصارى أمره إدراجه فِي الْفُضَلَاء وَأَنه مَا علمه أتقن فَنًّا قَالَ وتصانيفه شاهدة بِمَا قلته قلت بل تصانيفه شاهدة بِخِلَاف مَا قَالَه وَأَنه من الْأَئِمَّة المتقنين المتبحرين فِي جَمِيع المعارف وَلَكِن هَذَا من كَلَام الأقران فِي بَعضهم بعض بِمَا يُخَالف الإنصاف لما يجري بَينهم من المنافسات تَارَة على الْعلم وَتارَة على الدُّنْيَا وَقد كَانَ المترجم لَهُ منحرفًا عَن السخاوي والسخاوي منحرفًا عَنهُ وَجرى بَينهمَا من المناقضة والمراسلة والمخالفة مَا يُوجب عدم قبُول أَحدهمَا على الآخر وَمن أمعن النظر فِي كتاب المترجم لَهُ فِي التَّفْسِير الَّذِي جعله فِي الْمُنَاسبَة بَين الآي والسور علم أَنه من أوعية الْعلم المفرطين فِي الذكاء الجامعين بَين علمي الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول وَكَثِيرًا مَا يشكل على شئ فِي الْكتاب الْعَزِيز فأرجع إلى مطولات التفاسير ومختصراتها فَلَا أجد مَا يشفي وأرجع إلى هَذَا الْكتاب فأجد مَا يُفِيد فِي الْغَالِب وَقد نَالَ مِنْهُ عُلَمَاء عصره بِسَبَب تصنيف هَذَا الْكتاب وأنكروا عَلَيْهِ النَّقْل من التَّوْرَاة والإنجيل وترسلوا عَلَيْهِ وَأغْروا بِهِ الرؤساء وَرَأَيْت لَهُ رِسَالَة يُجيب بهَا عَنْهُم وينقل الْأَدِلَّة على جَوَاز النَّقْل من الْكِتَابَيْنِ وفيهَا مَا يشفي وَقد حجّ ورابط وانجمع فَأخذ عَنهُ الطّلبَة فِي فنون وصنَّف التصانيف وَلما تنكر لَهُ النَّاس وبالغوا فِي أَذَاهُ لمّ أَطْرَافه وَتوجه إلى دمشق وَقد كَانَ بلغ جمَاعَة من أهل الْعلم فِي التَّعَرُّض لَهُ بِكُل مَا يكره إلى حد التَّكْفِير حَتَّى رتبوا عَلَيْهِ دَعْوَى عِنْد
1 / 20
القاضي المالكي أَنه قَالَ إن بعض المغاربة سَأَلَهُ أَن يفصل في تَفْسِيره بَين كَلَام الله وَبَين تَفْسِيره بقوله أي أَو نَحْوهَا دفعًا لما لَعَلَّه يتَوَهَّم وَقد كَانَ رام المالكي الحكم بِكُفْرِهِ وإراقة دَمه بِهَذِهِ الْمقَالة حَتَّى ترامى المترجم لَهُ على القاضي الزيني بن مزهر فعذره وَحكم بإسلامه وَقد امتحن الله أهل تِلْكَ الديار بقضاه من الْمَالِكِيَّة يتجرون على سفك الدِّمَاء بِمَا لَا يحل بِهِ أدنى تَعْزِير فأراقوا دِمَاء جمَاعَة من أهل الْعلم جَهَالَة وضلالة وجرأة على الله وَمُخَالفَة لشريعة رَسُول الله وتلاعبًا بِدِينِهِ بِمُجَرَّد نُصُوص فقهية واستنباطات فروعية لَيْسَ عَلَيْهَا اثارة من علم فانا لله وإنا إليه رَاجِعُون وَلم يزل المترجم لَهُ ﵀ يكابد الشدائد ويناهد العظائم قبل رحلته من مصر وَبعد رحلته إلى دمشق حَتَّى توفاه الله بعد أَن تفتت كبده كَمَا قيل في لَيْلَة السبت ثامن عشر رَجَب سنة ٨٨٥ خمس وَثَمَانِينَ وثمان مائَة وَدفن خَارج دمشق من جِهَة قبر عَاتِكَة وَقد ترْجم لَهُ السخاوي تَرْجَمَة مظْلمَة كلهَا سب وانتقاص وطولها بالمثالب بل مَا زَالَ يحط عَلَيْهِ فى جَمِيع كِتَابه الْمُسَمّى بالضوء اللامع لِأَن المترجم لَهُ كتب لأهل عصره تراجم ونال من أَعْرَاض جمَاعَة مِنْهُم لاسيما الأكابر الَّذين أَنْكَرُوا عَلَيْهِ فَكَانَ السخاوي ينْقل قَوْله في تَرْجَمَة أُولَئِكَ الأكابر ويناقضه وينتقصه ولشعراء عصره فِيهِ أمداح وأهاجى
وَمَا زَالَت الأشراف تهجى وتمدح
وَهُوَ كثير النظم جيد النثر في تراجمه ومراسلاته ومصنفاته وَهُوَ مِمَّن رثى نَفسه فى حيوته فَقَالَ
(نعم إنني عَمَّا قريب لمَيت ... وَمن ذَا الذي يبْقى على الْحدثَان)
1 / 21