فصل ومن علم الله تعالى أنه يجعل إليه شيئا عظيما من مصالح العباد مع ما كلفه به من عبادته تعالى الخاصة فإنه يزيد فيه من العقل بحسب ما يكفي، ويكون بتلك الزيادة لا يتعين من أمره في الدين بسبب تلك المصالح شيء كبير باختياره فيخرج بذلك إلى حالة الملوك الجبابرة، فالملائكة أكثر الخلق عقولا وأشدهم تكليفا، ثم نبينا محمد سيد الأولين والآخرين أفضل النبيين عليهم السلام عقلا وأشدهم تكليفا في بعض الأشياء، ثم سائرهم متفاضلون أيضا، وكذلك الملائكة متفاضلون في العقل والتكليف، ثم الأوصياء أكثر عقلا بعد من ذكرنا، ثم الأئمة عليهم السلام من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن بلغ درجتهم في العلم والعمل من غيرهم من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم العلماء المقتدون بهم، ثم سائر المؤمنين والزيادة في حق من لم يكن ملكا ولا نبيا ولا وصيا ولا منصبا للإمامة كذرية رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وحجة على الخلق منهم عليهم السلام ظاهرة كالأئمة وباطنة كالمقتصدين من أهل البيت عليهم السلام فجميع ذرية محمد سيد الرسل -صلى الله عليه وآله وسلم- جعل الله تعالى فيهم زيادة في العقل دون زيادة الأنبياء -عليهم السلام- والأوصياء على أمته -صلى الله عليه وآله وسلم- وعلى غيرها من أمم الأنبياء -عليهم السلام- ابتداء خلقا وغيرهم وغير من ذكرنا أولا قد تكون له زيادة بسبب عمل صالح فقط لا ابتداء، وأهل التفضيل ابتداء يشاركون أيضا فيها بالعمل الصالح وتدل على الزيادة فوق العقل الكافي لما يريده الله تعالى بسبب العمل الصالح.
قوله تعالى: [ ] {إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا}(1) تنويرا تفرقون به بين الحق الباطل باعتبار النظر والاجتهاد في الدين، وقوله تعالى:[ ]{والذين اهتدوا}(2) يعني بالعقل الكافي، ثم قال تعالى: [ ] {زادهم هدا}(3) يعني تعالى أمدهم تعالى بزيادة عليه يزيده قوة وتأكيدا وتأثيرا فيما يصلح من النظر في الدين والدنيا .
فصل
ويختار الله تعالى للرسالة والنبوة والإمامة ومنصبها من زاد في عقله ابتداء يدل على ذلك قوله تعالى: [ ]{الله أعلم حيث يجعل رسالاته}(4) وأيضا فالأكثر عقلا أكثر دينا وعلما وقد علل تعالى اصطفاه تعالى لطالوت عليه السلام بذلك فقال تعالى: [ ] {إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم}(5) والأكثر دينا هو الأكبر عقلا ابتداء إذ استعمل عقله فيما فرض الله تعالى عليه؛ لأن موقع ذلك منه أكبر حسنا ممن هو [13ب]دونه ولو كثرت عبادة الأدون عقلا زايدا على الواجب وإذا كان الأكبر عقلا أحسن موقعا فهو أنقى من الأدون فيكون أكرم من الأدون عند الله -تعالى- وأفضل منه لقوله تعالى:[] {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}(6).
صفحہ 55