وأول شيء فعله نسيب في صباح اليوم الثاني هو ذهابه إلى شارع السوريين وتعرفه بهم؛ لأنه كان له في تلك المدينة أيام لم يعرف أحد به وهو يترقب خروج بديعة وحدها ليراها، وثاني شيء كان تقربه الزائد من لوسيا واجتهاده بفصلها عن السكن مع بديعة وجميلة وعن معاشرة الشبان.
واندفاعا بالحب الذي أسر لوسيا بعد أن كانت آسرة استأجرت غرفة مع عائلة سورية وسكنت بها وحدها، وصار نسيب يأتي آكلا شاربا عندها، ولما يخرج تضع لوسيا في جيبه بعض الدولارات «لأجل الخرجية».
وهنا انقلبت الأحوال مع لوسيا انقلابا تاما؛ فإنها بعد أن كانت ملكة على كل الشبان أصبحت عبدة لهذا الشاب، وبعد أن كانت تهدى إليها الهدايا النفيسة أصبحت تهدي ما لديها لمالكها بعد أن أهدته أعظم الأشياء عندهما وهما «حريتها وقلبها».
وكانت مسرورة لأنها كانت تحبه، وهو يعدها بالاقتران بها حتى توفر المال الكافي لذلك.
وهكذا فإن هذه الفتاة رجعت إلى نشاطها الأول وكانت تشتغل دائما إرضاء لحبيبها.
الفصل التاسع عشر
المرض
وكان جل مقاصد نسيب من لوسيا آلة لمحاربة بديعة والانتقام منها بها، وكانت لوسيا مستعدة لهذا الأمر؛ لأن بديعة «عدوة حبيبها».
ولكن ما هو السلاح الذي استعانا به لمحاربة بديعة؟ هو سلاح الجبناء، هو اللسان الشرير الذي أداراه بالاختلاق والنميمة والكذب، والذي صورا به قصة بديعة عارا عليهما، وليس شرفا لهما كما زعما دون مراعاة للحقيقة، وهذه هي الحالة مع الأشرار في كل وقت؛ فإنهم إذ يعجزون عن إلحاق أقل أذى بمن هم شرفاء يتكلمون عنهم بما في ذواتهم.
أثر تواتر المكايد والشدائد ببديعة تأثيرا عظيما، وبالرغم عن تعقلها وصبرها أصيبت بمرض؛ لأنها كانت شديدة التأثر رقيقة العواطف.
نامعلوم صفحہ