لهما ثالث أناف كواش ... قام يحكي هواهما كالخطيب
فهما وهو في جميع المعاني ... كحبيب وعاشق ورقيب
ولأبي بكر يحيى بن هذيل فيه تشبيه أنيق، وتمثيل دقيق وهو: [البسيط]
ورب سوسنة قبلتها كلفا ... ومالها غير نشر المسك منشوق
مصفرة الوسط مبيض جوانبها ... كأنها عاشق في حجر معشوق
ولأبي بكر هذا فيه قبل أن يتفتح وصف استحسن واستملح وهو: [الطويل]
فأول ما يبدو فخلق سبيكة ... مخلصة بيضاء أتقنتها السبك
بنت نفسها فوق الزمرد واقفا ... فلاحت كمثل الدر ضمنه السلك
جنى سوسن لولا سسنا بشراته ... لما زين الأفواه ثغر ولا ضحك
ولبعض شعراء الأندلس وقد دخل على المنصور بن أبي عامر_رحمه الله_وبين يديه ثلاث سوسنات إحداها لم تفتح، فسأله وصفها فقال بعد أبيات لم أحتج إلى ذكرها: [البسيط]
تبدو ثلاث من السوسان قائمة ... وما تشكى من الإعياء والكسل
فبعض نواره بالحسن منفتح ... والبعض منغلق عنهن في شغل
كأنها راحة ضمت أناملها ... ممدودة ملئت من جودك الخضل
وأختها بسطت منها أناملها ... ترجو نداك كما عودتها فصل
قال أبو عمر أحمد بن دراج القسطلي يصفه فأحسن وأبدع، وأغرب واخترع: [المنسرح]
إن كان وجه الربيع مبتسما ... فالسوسن المجتلى ثناياه
يا حسنه سن ضاحك عبق ... بطيب ريا الحبيب رياه
خاف عليه الحسود عاشقه ... فاشتق من ضده فسماه
وهو إذا مغرم تنسمه ... خلى على الأنف منه سيماه
كما يخلي الحبيب غالية ... في عارضي إلفه لذكراه
قوله: "خاف عليه الحسود." البيت، يعني أن سماه سوءا وهو حسن خوف العين والحسد، وهو تلميح مستحسن. ولأبي عمر أيضا فيه وصف ثان معدوم المثال موسوم بالجمال صح عندي أن عبادة بن ماء السماء كان يقول: "لم يخترع بالأندلس في معنى من المعاني كاختراع القسطلي في السوسان".وهو في قطعة مطولة كتب بها إلى المظفر ابن أبي عامر أنا ذاكر منها ما تشبث بذكر السوسان [من المستحسن وهو]: [الكامل]
جهز لنا في الروض غزوة محتسب ... واندب إليها من يساعد وانتدب
واهزز رماحا من تباشير المنى ... واسلل سيوفا من معتقة العنب
وانصب مجانيقا من النيم التي ... أحجارهن من الرواطم والنخب
لمعاقل من سوسن قد شيدت ... أيدي الربيع بناءها فوق القضب
شرفاتها من فضة وحماتها ... حول الأمير لهم سيوف من ذهب
مترقبين لأمره وقد ارتقى ... خلل البناء ومد صفحة مرتقب
كأمير "لونة" قد تطلع إذ دنا ... عبد المليك إليه في جيش لجب
فلئن غنمت هناك أمثال الدمى ... فهنا بيوت المسك فاغنم وانتهب
تحفا لشعبان جلا لك وجهه ... عوضا من الورد الذي أهدى رجب
واستوف بهجتها وطيب نسيمها ... فإذا دنا رمضان فاسجد واقترب
الشرفات: أوراق السوسن، والسيوف: النواوير المصفرة في أسفلها. والأمير القائم وسط السوسنة هو من الاختراعات الشريفة، والابتداعات البديعة. ولأبي بكر بن عبادة بن ماء السماء إلى صديق له يستهديه سوسنا أبيات وصفه فيها وصفا مستحسنا: [مجزوء البسيط]
دمت بإنعام وإحسان ... إن أنت أنعمت بسوسان
لو كان نفسا حيوانية ... ما كان إلا نفس إنسان
كأنه أنمل حسناء لم ... تخضب يديها خوف غيران
وأنشدني لنفسه فيه الوزير أبو عامر بن مسلمة أبياتا مطبوعة محكمة وهي: [البسيط]
وسوسن راق مرآه ومخبره ... وجل في أعين النظار منظره
كأنه أكؤس البلور قد صنعت ... مسدسات تعالى الله منظره
وبينها ألسن قد طرفت ذهبا ... من بينها قائم بالملك تؤثره
كأنه خلق ميم في تعقفه ... مداده ذوب عقيان يصفره
قال صاحب الشرطة أبو بكر بن القوطية يصفه بأوصاف سرية وهي: [مجزوء الرجز]
أما ترى الروض حسا ... بيا نحا إقليدسه
فصور السوسن من ... دائرة مسدسه
مدهنة من فضة ... بتبرها ملبسه
واضحة فاضحة ... صاحبها مدلسه
إن رام كتم لثمها ... وشمها انظر معطسه
تجد بقايا طيبه ... بأنفه محتبسه
1 / 37