وبعث الفقيه أبو الحسن بن علي بورد مبكر في سباط إلى ذي الوزارتين القاضي _أعزه الله وأذل عداه_وكتب معه: [المتقارب]
ليهنك يا واحد المكرمات ... وأهدى الملوك لقصد الصراط
جني من الورد قد حثه ... إليك تودده في سباط
وما ذاك أيام إقباله ... ولا وقت تنضيده في البساط
أصاب بإسراعه فاحبه ... وغفرا لسائره فهو خاط
وقال أيضا الفقيه أبو الحسن يصفه في قطعة رائقة متضمنة لصفات فائقة موصولة بمدح ذي الوزارتين القاضي_أيد الله يده وحصد من حسده_: [الكامل]
للورد فضل السبق عند المفخر ... بالمنظر السامي وطيب المخبر
ورق من الياقوت نظم فوقه ... شذر من الذهب السبيك الأصفر
ونسيم فوح ليس يبلغ طيبه ... عبق العبير ولا دخان العنبر
نقص الزمان ضنانة من عمره ... وكذا النفيس القدر غير معمر
والنور غير الورد ليس لشخصه ... دون السباطة ذابلا من مقصر
والورد يرفع غضه ويبيسه ... رفع الأكف ظروف مسك أذفر
عمت منافعه كما عم الورى ... جود ابن عباد فريد الأعصر
وله أيضا في بيتان استوليا على غاية الإحسان وهما: [المنسرح]
انظر إلى الروض غير متئد ... تبصر جمالا يصوغه الدهر
كأنما الورد فيه أطباق يا ... قوت عليها مغالق صفر
ولصاحب الشرطة أبي بكر بن القوطية فيه قطعة سرية موصولة بمدح ذي الوزارتين أبي أيوب بن عباد أبقاه الله، وأسبغ عليه نعماه وهي: [البسيط]
نور الربا خول والورد سلطان ... بذا قضى قبل آذار ونيسان
سر طوته فصول العام حاسدة ... لفضله إذ له السلطان والشان
حتى إذا ما الربيع الطلق نم به ... بدا وقد ضاق عن مثواه كتمان
معالجا فتح أوراق تطبقه ... كما يعالج فتح العين وسنان
حتى تفتح من أكمام بردته ... كما تفتح بعد النوم أجفان
أما النسيم فطيب لا أكيفه ... واللون حسنا به الألوان تزدان
فما سوى الورد في النوار من ملك ... ولا كمثل أبي أيوب سلطان
ملك يريك اهتزاز الروض يتبعه ... حلم رسا منه فوق الأرض ثهلان
وللوزير الكاتب أبي حفص بن برد فيه أبيات بديعة [رفيعة] التشبيه، وهي: [الكامل]
هذا الربيع وكنت ترقبه ... فانظر بعيشك كيف تصحبه
قد نشرت حلل النبات به ... فبدا مفضضه ومذهبه
والورد قد سمت الغصون به ... تجلوه والأبصار تخطبه
والشمس قد ضرب الضحاء بها ... في صبغه فذكاء تلهبه
فكأن من يهواه مخجله ... وكأن رياه مطيبه
وكتب أبو جعفر بن الأبار إلى الوزير أبي عامر بن مسلمة في زمن الربيع يصف الورد ويحضه على إيثار الأنس، وجلاء صدأ النفس، فأحسن إحسانا يقرب على متأمليه، ويبعد على متناوليه، ووصف الورد بعد صدر متقدم من الشعر: [الكامل]
الورد ورد للعيون من الظما ... فاذكر أذمته الوكيدة واحفظ
في لبسة التقوى يروقك منظرا ... فامنحه بالإنصاف طرفك والحظ
وإذا الهجوع نأى فخير منوم ... وإذا السرور دنا فأحسن موقظ
يا ممطري بفعاله ومقاله ... ومحافظي بوداده لا محفظي
افطن إذا أبدى الزمان تبالها ... وإذا تواهن جفنه فاستيقظ
وبكل صرف فاستقد منصرفه ... وافظظ برقتها عليه وأغلظ
فالهم يفرق من لآليء فرقها ... والحزن يطفأ عن سناها الملتظي
صفراء صفر الكأس من جثمانها ... تتخطف الأبصار مهما يلحظ
لا زلت تسلم يا بن مسلمة الرضا ... معطي الأمان من الخطوب البهظ
قوله: "في لبسة التقوى" يعني الحياء، من قول الله تعالى: (وريشا ولباس التقوى)، قيل: الحياء. وقوله: "محافظي". هو من الحفظ والمرعاة. و"محفظي": المفرق من الرأس. وقوله: "صفر الكأس من جثمانها":الصفر: الخالية، والجثمان: الجسم، وفيه لغتان: جثمان وجسمان. فجاوبه الوزير أبو عامر بن مسلمة بأبيات بديعة الصفات، بزيعة الكلمات وهي: [الكامل]
يا واحد الأدباء غير مدافع ... ومن اغتدى في الفهم نارا تلتظي
وافاني الشعر البديع نظامه ... فأزاح عني كل أمر محفظ
فخرا لورد الروض إذ حاز المدى ... ببدائع من ذهنك المتيقظ
1 / 35