بذل المعون في فضل الطاعون
Badhl al-Maʿun fi Fadl al-Taʿun
اصناف
تم قال الزركشى : يحتمل أن يكون ندمه مخافة أن يكون فارا من القدر، ورأى أن النهي عن [القدوم عليه رخصة فقد حكى البغوى في أشرح السنةة ، عن قوم : أن النهي عن ] الفزار من الطاعون على التحريم ، والنهى عن القدوم عليه على التنزيه ، فيكون القدوم عليه رخصة لمن غلب عليه التوكل ، والأنصراف عنه رخصة لمن أنصرف ، انتهى وليس في كلام عمر رضى الله عنه ما يحصر الأمر فيمازذكره ، بل يحتمل أن يكون ندمه واستغفاره ، لأنه خرج لأمر مهم من أمور المسلمين ، فوصل إلى قريب البلد الذى كانت حاجته فيه ، ثم رجع من ثم إلى المدينة ، للحديث الذي سمعه فى النهي عن القدوم عليه .
وكان يمكنه أن لا يفعل وأحدا من الأمرين ، وهو أن لا يقدم على البلد الذى فيه الطاعون امتثالا للحديث، ولا يرجع إلى المدينة من غير قضاء الحاجة التى خرج لها . بل كان يمكنه أمر تالت، وهو أن يقيم بالقرب من البلذ المذكورة، إلى أن يرتفع الطاعون ، فيدخل إلى قضاء ماربه ، ولا سيما والواقع أن الطاعزن وقع ارتفاعه بعد رجوعه بزمن يسير كما تقدم ، وهو قدر مسافة الطريق في كتابه إلى أبى عبيدة وجواب أبى عبيدة ، ثم كتابه إليه ثانيا يأمره بأن يتحول بالجند ، فامتثل أمره ، وشرع في التجول ، وارتفع الطاعون .
فلعله رأى أنه لو انتظر إلى أن يرتفع كان أولى من رجوعه ، لما كان فى رجوعه بالعسكر الذى كان صحبته من المشقة عليه وعليهم .
والخبر لم يرد بالأمر بالرجوع ، وإنما ورد بالنهى عن القدوم أو الإقدام ، على ما جاء في لفظ الخبر ، من أنه ولا تقذموا و لا تقدموا - ثلاثا أو رباعيا فاحتمل أن ندمه إنما كان [على ] ذلك وقد قال القاضى عياض ، لما ذكر اختلاف الصحابة من المهاجرين والأنصار فى الرجوع : حجة كل من الطائفتين بينة ، لأنها مبنية على أصلين من أصول الشريعة .
الأول : التوكل والتسليم للقضاء والقدر والثاني : الحيطة والحذر بترك الإلقاء إلى التهلكة وهما فرعان متشعبان من أصل قاعدة والقدرا . وقد قيل : إن رجوع عمر إنما كان للحديث ، لأنه لم يكن ليرجع إلى رأى دون رأى بغير حجة [مرجحة] وقد قذمته قبيل هذا نعم ، قد ورد عن غير عمر التصريح بالعمل بمحض التوكل ، فأخرج ابن خزيمة بسند صحيح إلى هشام بن عروة عن أبيه ، أن الزبير بن العوام رضى الله عنه خرج غازيا نحو مصر فكتب إليه أمراء مصر أن الأرض قد وقع بها الطاعون ، فلا تدخلها فقال الزبير: إنما
خرجت للطعن والطاعون . فدخلها ، فلقى طغنا في جبهته ، فأقرق.
وسنده صحيح على شرط البخارى .
وقوله : وفأفرقه: أبى أفاق من مرضه ذكره أبو موسى المديني في ذيل الغربين له . وقال / أبو مجلز التابعى المشهور: لما وقع الطاعون بالبصرة وارتفع ، عذوا من أفرق منه ، فكانت جملتهم كذا قال أبو موسى : [أى] برىة من الطاعون . قال: ويقال: إن ذلك إنما يقال لمن برىء من علة لا تصيب الإنسان غالبا إلا مرة واحدة ، كالجدرى، والله أعلم قلت : أثر أبى فجلز المذكور ، أخرجه ابن أبى الدنيا في وكتاب المرض والكفارات ، من طريق عمران بن خذير قال : كان أبو مجلز يقول ن لا يحذث المبريض إلا بما يعجبه ، فإنه كأن يأتينى وأنا مطعون ، فيقول : عغذوا النوم في الحى كذا وكذا ممن أقرق . وعدوك فيهم . قال: فأفرح بذلك . سنده صحيح تنبيه ، قد يعارض هذا الأثر عن الزبير ، ما أخرجه البيهقن بسند حسن أيضاء عن هشام بن عروة، عن أبيه قال : أقبلت إلى الزبير [يوما وأنا غلام ، وعنده رجل أبرض ، فأردت أن أمسه ، فأشار إلى الزبي] .
فأمرنى أن أنصرف ، كراهة أن أمسه .
قلت . ولا معارضة بينهما على ما تقدم ، بل إقدام الزبير من قوة إيمانه وشدة يقينه ، ومنع ابنه الصغير من مس الأبرض ، خشية أن يقذر الله عليه أن يصيبه ذلك ، فيظن لعدم توسعه في العلم أنه من المس ، فيعتقد العدوى المنهى عن اعتقادها . وسيأاتى بسط ذلك في الأمر الثالث .
نامعلوم صفحہ