71

بدائع الفوائد

بدائع الفوائد

ناشر

دار الكتاب العربي

ایڈیشن نمبر

الأولى

پبلشر کا مقام

بيروت

اصناف

حدیث
إنما نالوه بواسطة السمع فكان السمع كالوسيلة لهذا المطلوب الأعظم فتفضيله عليه كفضيلة الغايات على وسائلها وأما ما ذكرتم من سعة إدراكاته وعمومها فيعارضه كثرة الخيانة فيها ووقوع الغلط فإن الصواب فيما يدركه السمع بالإضافة إلى كثرة المسموعات قليل في كثير ويقابل كثير مدركاته صحة مدركات البصر وعدم الخيانة وأن ما يراه ويشاهده لا يعرض فيه من الكذب ما يعرض فيه فيما يسمعه وإذا تقابلت المرتبتان بقي الترجيح بما ذكرناه قال شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية قدس الله روحه ونور ضريحه: "وفصل الخطاب أن إدراك السمع أعم وأشمل وإدراك البصر أتم وأكمل فهذا له التمام والكمال وذاك له العموم والشمول فقد ترجح كل منهما على الآخر بما اختص" به تم كلامه وقد ورد في الحديث المشهور أن النبي ﷺ قال لأبي بكر وعمر: " هذان السمع والبصر " صحيح على الراجح وهذا يحتمل أربعة أوجه أحدها: أن يكون المراد أنهما مني بمنزلة السمع والبصر والثاني يريد أنهما من دين الإسلام بمنزلة السمع والبصر من الإنسان فيكون الرسول بمنزلة القلب والروح وهما بمنزلة السمع والبصر من الدين وعلى هذا فيحتمل وجهين أحدهما التوزيع فيكون أحدهما بمنزلة السمع والآخر بمنزلة البصر والثاني الشركة فيكون هذا التنزيل والتشبيه بالحاستين ثابتا لكل واحد منهما فكل منهما بمنزلة السمع والبصر فعلى احتمال التوزيع والتقسيم تكلم الناس أيهما هو السمع وأيهما هو البصر وبنوا ذلك على أي الصفتين أفضل فهي صفة الصديق والتحقيق أن صفة البصر للصديق وصفة السمع للفاروق ويظهر لك هذا من كون عمر محدثا كما قال النبي ﷺ: "قد كان في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في هذه الأمة أحد فعمر " رواه مسلم والتحديث المذكور هو ما يلقى في القلب من الصواب والحق وهذا طريقه السمع الباطن وهو بمنزلة التحديث والإخبار في الأذن وأما الصديق فهو الذي كمل مقام الصديقية لكمال بصيرته حتى كأنه قد باشر بصره مما أخبر به الرسول ما باشر قلبه فلم يبق بينه وبين إدراك البصر إلا حجاب الغيب فهو

1 / 72