47

بدائع الفوائد

بدائع الفوائد

ناشر

دار الكتاب العربي

ایڈیشن نمبر

الأولى

پبلشر کا مقام

بيروت

اصناف

حدیث
بقلة صبره وضعف احتماله متى توقع الشر أعرض وأطال في الدعاء فإذا تحقق وقوعه كان يؤوسا ومثل هذه الأسرار في القرآن لا يرقى إليها إلا بموهبة من الله وفهم يؤتيه عبدا في كتابه فإن قلت فما تصنع بقوله تعالى: ﴿إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ﴾ والهلاك محقق قلت التعليق ليس على مطلق الهلاك بل على هلاك مخصوص وهو هلاك لا عن ولد فإن قلت فما تصنع بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ وقوله: ﴿فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ﴾ وتقول العرب: إن كنت ابني فأطعني وفي الحديث: في السلام على الموتى "وإنا إن شاء الله بكم لاحقون " رواه مسلم واللحاق محقق وفي قولة الموصي: " إن مت فثلث مالي صدقة" قلت أما قوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ الذي حسن مجيء إن هاهنا الاحتجاج والإلزام فإن المعنى إن عبادتكم لله تستلزم شكركم له بل هي الشكر نفسه فإن كنتم ملتزمين لعبادته داخلين في جملتها فكلوا من رزقه واشكروه على نعمه وهذا كثيرا ما يورد في الحجاج كما تقول للرجل إن كان الله ربك وخالقك فلا تعصه وإن كان لقاء الله حقا فتأهب له وإن كانت الجنة حقا فتزود إليها وهذا أحسن من جواب من أجاب بأن إن هنا قامت مقام إذا وكذا قوله: ﴿إن كنتم بآياته مؤمنين﴾ [الأنعام ١١٨] وكذا قولهم إن كنت ابني فأطعني ونظائر ذلك وأما قوله: "وإنا إن شاء الله بكم لاحقون" فالتعليق هنا ليس لمطلق الموت وإنما هو للحاقهم بالمؤمنين ومصيرهم إلى حيث صاروا وأما قول الموصي: " إن مت فثلث مالي صدقة" فلأن الموت وإن كان محققا لكن لما لم يعرف تعين وقته وطال الأمد وانفردت مسافة أمنية الحياة نزل منزلة المشكوك كما هو الواقع الذي يدل عليه أحوال العباد فإن عاقلا لا يتيقن الموت ويرضى بإقامته على حال لا يحب الموت عليها أبدا كما قال بعض السلف: "ما رأيت يقينا لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت" وعلى هذا حمل بعض أهل المعاني ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ

1 / 48