سلسلة التحقيقات الحديثية لمكتب الأجهوري (١)
الباعث الحثيث شرح
اختصار علوم الحديث
للإمام عماد الدين أبو الفداء إسماعيل ابن كثير
شرح العلامة
شمس الأئمة أبو الأشبال أحمد محمد شاكر
إشراف ومراجعة
د. علي محمد ونيس
مدير المكتب
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 2
الباعث الحثيث
للعلامة شمس الأئمة أبو الأشبال أحمد محمد شاكر
شرح اختصار علوم الحديث
للإمام عماد الدين أبو الفداء إسماعيل ابن كثير
1 / 3
الطبعة الأولى ١٤٣٥ هـ
دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع
1 / 4
تقديم الدكتور خالد الحايك
تقديم تحقيق "الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث"
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي رفع ذكر أهل الحديث في القديم والحديث والصلاة والسلام على نبينا محمد صاحب الخير الأثيث وعلى آله وصحبه نقلة الحديث ومن تبعهم ممن حمله بجد حثيث .. أما بعد:
فإن الإخوة في مكتب الأجهوري لتحقيق التراث -جزاهم الله خيرا- قد قاموا بعمل جبار وذلك بتحقيقهم كتاب الباعث الحثيث على نسخ كثيرة فضبطوا نصه وعلقوا عليه بتعليقات نفيسة منتقاة لأهل العلم فخرج الكتاب بحلة قشيبة لطالما اشتاق أهل العلم إليها .. فالحمد لله أن وفقهم لذلك.
وكان الإخوة قد أرسلوا إلي التحقيق لأطلع عليه فوجدته جديرا بالنشر لما فيه من الفوائد.
وقد رغب إلي الإخوة في هذا المكتب المبارك أن أكتب تقدمه لهذا الكتاب لحسن ظن منهم -وإن كنت لست أهلا لذلك- فأجبتهم إلى طلبتهم بعد أن اطلعت على الكتاب المحقق فأمعنت النظر في الكتاب ووضعت عليه بعض التعليقات حتى صفحة (٢٠٠) تقريبا ونظرت سريعا
1 / 5
في بقية صفحات الكتاب وأشرت إلى بعض الملاحظات عليه ولم يسعفني الوقت في قراءته كاملا قراءة فاحصة.
وأحببت هنا أن أكتب شيئا حول تسمية الكتاب فأقول وبالله أصول وأجول:
المعروف المشهور بين طلبة العلم أن مختصر ابن كثير يسمى: "الباعث الحثيث إلى اختصار علوم الحديث" فمن أهل العلم من أقر هذه التسمية ومنهم من قال بأن هذه التسمية هي لشرح الشيخ أحمد شاكر شارح الكتاب! !
ولهذا قال الشيخ أحمد شاكر في مقدمة الطبعة الثانية لهذا الكتاب سنة (١٣٧٠ هـ - ١٩٥١ م): "ثم رأيت أن أصل كتاب ابن كثير عرف باسم "اختصار علوم الحديث" وأن الأخ العلامة الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة جعل له عنوانا آخر في طبعته الأولى بمكة فسماه (اختصار علوم الحديث أو الباعث الحثيث إلى معرفة علوم الحديث) التزاما للسجع الذي أغرم به الكاتبون في القرون الأخيرة. وأنا أكره التزام السجع وأنفر منه ولكن لا أدري كيف فاتني أن أغير هذا في الطبعة الثانية التي أخرجتها ثم اشتهر الكتاب بين أهل العلم باسم "الباعث الحثيث" وليس هذا اسم كتاب ابن كثير وليس من اليسير أن أعرض عن الاسم الذي اشتهر به أخيرا. فرأيت من حقي -جمعا بين المصلحتين: حفظ
1 / 6
الأمانة في تسمية المؤلف كتابه والإبقاء على الاسم الذي اشتهر به الكتاب- أن أجعل "الباعث الحثيث" علما على الشرح الذي هو من قلمي ومن عملي فيكون اسم الكتاب "الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث". والأمر في هذا كله قريب".
ومن هذا يتبين لنا أن الشيخ أحمد شاكر لا يوافق على أن تسمية كتاب ابن كثير هو "الباعث الحثيث" ويعتقد أن هذه الإضافة لعنوان الكتاب هي من عمل الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة فأراد أن يجمع بين مصلحتين كما ذكر.
ولكن بعض طلبة العلم في زماننا المعاصر تعصبوا لرأي الشيخ عبد الرزاق واستدلوا بما ذكره صديق حسن خان القنوجي المتوفى سنة (١٣٠٧ هـ) في كتابه (أبجد العلوم في بيان أحوال العلوم) (٣/ ٨٩) عند ذكره لابن كثير قال: "وصحب شيخ الإسلام ابن تيمية ومدحه في كتاب الباعث الحثيث أحسن مدح". وصديق حسن توفي قبل مولد الشيخ أحمد شاكر (ولد في ١٣٠٩ هـ).
أقول: إن معرفة أسامي الكتب هي من خلال ما ينقله أهل العلم الكبار في تراجم العلماء وكل العلماء الذين كانوا في عصر الحافظ ابن كثير وكذلك تلاميذه ذكروا أنه اختصر علوم الحديث لابن الصلاح دون تسميته بأي تسمية. وهذا الذي نمشي عليه.
ولعل الذي جعل الشيخ عبد الرزاق أن يطلق عليه هذا العنوان:
1 / 7
"الباعث الحثيث" هو ما كتبه صديق خان ولكن تسمية صديق خان له بهذا الاسم لا دليل عليه! نعم ربما كان منتشرا عندهم بهذا العنوان وكان بعض أهل العلم قديما إذا رأوا كتابا مختصرا لبعض أهل العلم يسمونه باسم ليكون علما عليه فلعل هذا هو الذي حصل.
والخلاصة أنه لم يصح أن كتاب ابن كثير اسمه "الباعث الحثيث" ولم يسمه ابن كثير بهذه التسمية فأراد الشيخ أحمد شاكر أن يبقي على هذه التسمية التي اشتهر بها في شرحه فسمى الشرح بهذا الاسم مع التنبه على أن الفرق بين تسمية الشيخ عبد الرزاق حمزة وبين تسمية الشيخ شاكر وجود كلمة: "إلى معرفة" في عنوان الشيخ حمزة ووجود كلمة: "شرح اختصار" في تسمية الشيخ شاكر لأن الشيخ أحمد شاكر يشرح هذا الكتاب المختصر والله أعلم.
وختاما أسأل الله ﷿ أن يجزي الإخوة الذين اشتغلوا بهذا العمل خير الجزاء وأن يثقل به موازينهم يوم القيامة اللهم آمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وكتب:
د. خالد بن محمود الحايك
أستاذ الحديث الشريف بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالأحساء جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ٢٤ ربيع الثاني ١٤٣٤ هـ
1 / 8
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيِّئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل؛ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنتُم مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكَمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: ١١].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٠ - ٧١].
أما بعد:
يسعدنا في مكتب الأجهوري لتحقيق التراث أن نقدم لطلبة علم الحديث خصوصا وطلبة العلم الشرعي عموما هذا السفر المبارك المسمى بـ "اختصار علوم الحديث" للإمام العلامة عماد الدين أبي الفداء
1 / 9
إسماعيل ابن كثير مع شرحه "الباعث الحثيث" للشيخ العلامة أحمد محمد شاكر ﵀.
وَلَا شَكَّ أَنَّ عِلْمَ الحَدِيثِ مِن أَرْفَعِ العُلُومِ شَرَفًا وَقَدْرًا، وَأَعْلَاهَا مَكَانَةً وَشَأوًا، قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ قَدَّسَ اللهُ سِرَّهُ: "إِنَّ مِن أَهَمِّ العُلُومِ تَحْقِيقَ مَعْرِفَةِ الأَحَادِيثِ النَّبَويَّاتِ، أَعنِي مَعْرِفَةَ مُتُونِهَا صَحِيحِهَا وَحَسَنِهَا وَضَعِيفِهَا وَبَقِية أَنوَاعِهَا المعْرُوفَاتِ وَدَلِيل ذَلِكَ: أَنَّ شَرْعَنَا مَبنِيٌّ عَلَى الكِتَابِ العَزِيزِ وَالسُّنَنِ المرويَّاتِ وَعَلَى السُّنَنِ مَدَارُ أَكْثَرِ الأَحْكَامِ الفِقْهِيَّاتِ؛ فَإِنَّ أَكْثَرَ الآيَاتِ الفُرُوعِيَّاتِ مُجمَلاتٌ وَبَيَانها فِي السُّنَنِ المُحْكَمَاتِ. وَقَد اتَّفَقَ العُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مِن شَرطِ المُجْتَهِدِ مِنَ القَاضِي وَالمُفْتِي أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالأَحَادِيثِ الحُكمِيَّاتِ فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الاشْتِغَالَ بِالحَدِيثِ مِن أَجَلِّ العُلُومِ الرَّاجِحَاتِ وَأَفْضَلِ أَنْوَاعِ الخَيرَ وَآكَد القُرُبَاتِ وَكَيْفَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ وَهُو مُشْتَمِلُ عَلَى بَيَانِ حَالِ أَفْضَلِ المَخْلُوقَاتِ عَلَيهِ مِن اللهِ الكَرِيمِ أَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ والسَّلَامِ وَالْبَرَكَاتِ وَلَقَدْ كَانَ أَكْثَرُ اشْتِغَالِ العُلَمَاءِ بِالحَدِيثِ فِي الأَعْصَارِ الخَالِيَاتِ حَتَّى لَقَدْ كَانَ يَجْتَمِعُ فِي مَجْلِسِ الْحَدِيثِ مِنَ الطَّالِبِينَ أُلُوفٌ مُتَكَاثِرَاتٌ فَتَنَاقَصَ ذَلِكَ وَضَعُفَتْ الهِمَمُ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا آثَارٌ مِن آثَارِهِم قَلِيلَاتٌ وَاللهُ المُسْتَعَانُ عَلَى هَذِهِ المُصِيبَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ البَلِيَّاتِ، وَقَدْ جَاءَ فِي فَضْلِ إِحْيَاءِ السُّنَنِ المُمَاتَاتِ أَحَادِيْثٌ كَثِيْرَةٌ مَعْرُوفَاتٌ مَشْهُورَاتٌ فَيَنْبَغِي الاعْتِنَاءُ بِعِلْمِ الحَدِيْثِ وَالتَّحْرِيضِ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الدَّلَالَاتِ وَلكَوْنِهِ أَيضًا مِنَ النَّصِيحَةِ للهِ تَعَالَى وَكِتَابِهِ وَرَسُولِهِ وَللأَئِمَّةِ وَالمُسْلِمِينَ وَالمُسلِمَاتِ وَذَلِكَ هُو الدِّينُ كَمَا صَحَّ عَن سَيِّدِ البَرِيَّاتِ. وَلَقَدْ أَحْسَنَ القَائِلُ: "مَنْ جَمَعَ أَدَوَاتِ الحَدِيثِ اسْتَنَارَ قَلْبُهُ وَاسْتَخْرَجَ كُنُوزَهُ الخَفِيَّاتِ، وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ
1 / 10
فَوَائِدِهِ البَارِزَاتِ وَالكَامِنَاتِ وَهُوَ جَدِيرٌ بِذَلِكَ فَإِنَهُ كَلَامُ أَفْصَحِ الخَلْقِ وَمَن أُعْطَى جَوَامِعَ الْكَلِمَاتِ ﵌ صَلَوَاتٌ مُتَضَاعِفَاتٌ" (١).
وَقَالَ العَلَّامَةُ الشَّهَابُ أَحْمَدُ المنِينِيُّ الدِّمَشْقِيُّ الحَنَفِيُّ فِي القَوْلِ السَّدِيدِ: "إِنَّ عِلْمَ الحَدِيثِ عِلْمٌ رَفِيعُ الْقَدْرِ، عَظِيْمُ الفَخْرِ، شَرِيفُ الذِّكْرِ لَا يَعتَنِي بِهِ إِلَّا كُلُّ حَبْرٍ، وَلَا يُحْرَمهُ إِلَّا كُلُّ غَمْرٍ، وَلَا تَفْنَى مَحَاسِنُهُ عَلَى مَمَرِّ الدَّهْرِ؛ لَم يَزَلْ فِي القَدِيْمِ وَالحَدِيثِ يَسْمُو عِزَّةٌ وَجَلَالَةٌ، وَكَمْ عَزَّ بِهِ مَنْ كَشَفَ اللهُ لَهُ عَنْ مُخَبَّآتِ أَسْرَارِهِ وَجَلالِهِ؛ إِذْ بِهِ يُعْرَفُ المُرَادُ مِن كَلَامِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ويظْهَرُ المَقْصُودُ مِن حَبْلِهِ المُتَّصِلِ المَتِينِ، وَمِنْهُ يُدْرَى شَمَائِلُ مَنْ سَمَا ذَاتًا وَوَصْفا وَاسْمًا وُيوقَفُ عَلَى أَسْرَارِ بَلَاغَةِ مَن شَرَّفَ الخَلَائِقِ عَرَبًا وَعَجَمًا، وَتَمْتَدُّ مِن بَرَكَاتِهِ لِلمُعْتَنَى بِهِ مَوَائِدِ الإِكْرَامِ مِن رَبِّ البَرِيَّةِ، فَيُدْرِكُ فِي الزَّمَنِ القَلِيلِ مِن المَوْلَى الجَلِيلِ المَقَامَاتِ العَلِّيَّةِ، وَالرُّتَبِ السَّنِيَّةِ مَنْ كَرعَ مِنْ حِيَاضِهِ أَوْ رَتَعَ فِي رِيَاضِهِ فَليهنه الأُنْسُ بِجَنَى جَنَانِهِ السُّنَّة المُحَمَّدِيَّة، وَالتَّمَتُّعِ بِمَقْصُورَاتِ خِيَامِ الحَقِيْقِةِ الأَحْمَدِيَّةِ؛ وَنَاهِيكَ بِعِلْمٍ مِنَ المُصْطَفَى ﷺ بدَايَتهُ، وَإِلَيْهِ مُسْتَنَدُهُ وَغَايَتُهُ. وَحَسْبَ الرَّاوِي للْحَدِيْثِ شَرَفًا وَفَضْلًا وَجَلَالَةً وَنُبْلًا أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ سِلْسِلَةٍ آخِرَهَا الرَّسُولُ وَإِلَى حَضْرَتِهِ الشَّرِيفَةِ بِهَا الانْتِهَاءُ وَالوصُولُ.
وَطَالَمَا كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ يُقَاسُونَ فِي تَحَمُّلِهِ شَدَائِدَ الأَسْفَارِ، لِيَأخُذُوهُ عَن أَهْلِهِ بِالمُشَافَهَةِ وَلَا يَقْنَعُونَ بِالنَّقْلِ مِنَ الأَسْفَارِ فَرُبَّمَا ارْتَكَبُوا غَارِبَ الاغْتِرَابِ بِالارْتِحَالِ إِلَى البُلْدَانِ الشَّاسِعَةِ لأَخْذِ حَدِيثٍ عَنْ إِمامٍ
_________
(١) قواعد التحديث للقاسمي (ص ٤٤)، نقلًا عن شرح النووي على مسلم (١/ ٣) ط. إحياء التراث.
1 / 11
انْحَصَرَتْ روايته فِيه، أَو لِبَيَانِ وَضْعِ حَدَيثٍ تَتَبَّعُوا سَنَدَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَنْ يَخْتَلِقُ الكَذِبَ ويفْتَرِيهُ وَتَأَسَّى بِهم مِن بَعْدِهِم مِنْ نَقَلَةِ الأَحَادِيثِ النَّبَويَّةِ وَحَفَظَةِ السُّنَّةِ المُصْطَفَوِيَّةِ، فَضَبَطُوا الأَسَانِيدِ وَقَيَّدُوا مِنْهَا كُلَّ شَرِيدِ، وَسَبَرُوا الرُّواةِ بَيْنَ تَجْرِيح وَتَعْدِيلٍ، وَسَلَكوا فِي تَحْرِيرِ المَتْنِ أَقْومَ سَبِيلٍ، وَلَا غَرَضَ لَهُم إِلَّا الوُقُوفُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَقْوَالِ المُصْطَفَى وَأَفْعَالِهِ، وَنَفِي الشُّبْهَةِ بتَحْقِيقِ السَّنَدِ وَاتِّصَالِهِ فَهَذِهِ هِي المَنْقَبَةُ التِي تتسَابَقُ إِلَيْهَا الهِمَمُ العَوَالِي وَالمَأثَرَةُ التِي يصرفُ فِي تَحْصِيلِهَا الأَيامَ وَاللَيَالِي".
وَقَالَ الإِمَامُ أَبُو الطَّيِّبِ السَّيِّدُ صِدِّيقُ خَان الحُسَينِيُّ الأَثَرِيُّ عَلَيهِ الرَّحْمَةُ وَالرّضوَان فِي كِتَابِهِ: "الحِطَّة": "اعْلَمْ أَنَّ آنف العُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَمُفْتَاحَهَا وَمِشْكَاةَ الأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ وَمِصْبَاحَهَا وَعُمْدَةَ المَنَاهِجِ اليَقِينِيَّةِ وَرَأسَهَا وَمبني شَرَائِعِ الإِسْلَامِ وَأَسَاسِهَا وَمُسْتَنَدَ الرِّوَايَاتِ الفِقْهِيَّةِ كُلهَا وَمَآخَذِ الفُنُونِ الدِّينِيَّةِ دقهَا وجلَّهَا وَأُسْوَةِ جُملَةِ الأَحْكَامِ وَأُسَّهَا وَقَاعِدة جَمِيعِ العَقَائِدِ، وَسَمَاءِ العِبَادَاتِ وَقُطبِ مَدَارَهَا، وَمَرْكَزِ المُعَامَلَاتِ وَمَحَطَّ حَارَهَا وَقَارَهَا، هُو عِلمُ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الَّذي تُعْرَف بِهِ جَوَامِعُ الكَلِمِ، وَتَنْفَجِر مِنْهُ يَنَابِيعُ الحِكَم وَتَدُورُ عَلَيْهِ رَحَى الشَّرْعِ بِالْأسْرِ، وَهُو مَلَاكُ كُلِّ نَهْيٍ وَأَمْرٍ وَلَوْلَاهُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ وَخَبَطَ النَّاسُ خَبْطَ عَشْوَاءَ وَرَكَبُوا مَتْنَ عَمْيَاءَ فَطُوبَى لِمَنْ جَدَّ فِيهِ وَحَصَلَ مِنْهُ عَلَى تَنْوِيهٍ يملكُ مِنَ الْعُلُومِ النَّوَاصِي، وَيُقَرِّبُ مِن أَطْرَافِهَا البَعِيْدَ القَاصِي. وَمَن لَمْ يَرْضِعْ مِن دُرِّهِ، وَلَمْ يَخُض فِي بَحْرِهِ، وَلَم يَقْتَطِفْ مِن زَهْرِهِ، ثُمَّ تَعَرَّضَ لِلْكَلَامِ فِي الْمَسَائِلِ وَالأَحْكَامِ فَقَدْ جَارَ فِيمَا حَكَمَ وَقَالَ عَلَى اللهِ تَعَالَى مَا لَم يَعْلَمْ؛ كَيْفَ وَهُو كَلَامُ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَالرَّسُولُ أَشْرَفُ الخَلْقِ كُلُّهُم أَجْمَعِينَ، وَقَدْ أُوتِيَ جَوَامِعَ الكَلِمِ وَسَوَاطِعَ الحُكْمِ، مِنْ عِنْدِ رَبِّ العَالَمِيْنَ. فَكَلَامُهُ
1 / 12
أَشْرَفُ الكَلِمِ وَأَفْضَلُهَا، وَأَجْمَعُ الحِكَمِ وَأَكْمَلُهَا كَمَا قِيلَ: "كَلَامُ المُلُوكِ مُلُوكُ الكَلَامِ". وَهُوَ تِلو كَلَامِ اللهِ العَلَّامِ وَثَانِي أَدِلَّةِ الأَحْكَامِ. فَإِنَّ عُلُومَ القُرْآنِ وَعَقَائِدَ الإِسْلِامِ بِأَسْرِهَا، وَأَحْكَامَ الشَّريعةِ المطَهَّرَةِ بِتَمَامِهَا، وَقَوَاعِد الطَّرِيقَةِ الحَقَّةِ بِحَذَافِيرِهَا؛ وَكَذَا الكَشْفِيَّاتِ وَالْعَقْلِيَّاتِ بِنَقِيرِهَا وَقِطْمِيرِهَا، تَتَوَقَّفُ عَلَى بَيَانِهِ ﷺ فَإِنَّهَا مَا لَمْ تُوزَنْ بِهَذَا القِسْطَاسِ المُسْتَقِيمِ وَلَم تُضْرَبْ عَلَى ذَلِكَ المِعْيَارِ القَوِيمِ، لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا وَلَا يُصَارُ إِلَيْهَا فَهَذَا العِلْمُ المَنْصُوصُ وَالْبِنَاءُ المرْصُوصُ بِمَنْزِلَةِ الصَّرَّافِ لِجَوَاهِرِ العُلُومِ عَقْليهَا وَنَقْليْهَا وَكَالنُّقَّادِ لِنُقُودِ كُل الفُنُونِ أَصْليْهَا وَفَرْعيْهَا مِن وُجُوهِ التَّفَاسِيرِ وِالفِقْهِيَّاتِ وَنُصُوصِ الأَحْكَامِ وَمَآخَذِ عَقَائِدِ الإِسْلَامِ وَطُرُقِ السُّلُوكِ إِلَى اللهِ ﷾ ذِي الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ فَمَا كَانَ مِنْهَا كَامِل العِيَارِ فِي نَقْدِ هَذَا الصَرَّافِ فَهْوَ الحَرِيٌّ بِالتَّروِيجِ وَالِاشْتِهَارِ وَمَا كَانَ زيفًا غَيْرَ جَيِّدٍ عِنْدَ النُّقَّادِ فَهُوَ القَمِينُ بِالرَّدِّ وَالطَّرْدِ وَالإِنْكَارِ فَكُلُّ قَوْلٍ يُصَدِّقُهُ خَبَر الرَّسُولِ فَهُوَ الأَصْلَحُ لِلقَبُولِ وَكُلُّ مَا لَا يُسَاعِدُهُ الحَدِيثُ وَالقُرْآنُ فَذَلِكَ فِي الحَقِيقَةِ سَفْسَطَةٌ بِلَا بُرْهَانٍ فَهِي مَصَابِيْحُ الدُّجَى وَمَعَالِم الهُدَى وَبِمَنْزِلَةِ البَدْرِ المُنِيرِ مَنِ انْقَادَ لَهَا فَقَدْ رَشُدَ وَاهْتَدَى وَأُوتِي الخَيرَ الْكَثِيرَ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهَا وَتَوَلَّى فَقَد غَوَى وَهَوَى وَمَا زَادَ نَفْسَهُ إِلَّا التَّخْسِيرَ فَإِنَّهُ ﷺ نَهَى وَأَمَرَ وَأَنْذَرَ وَبَشَّرَ، وَضَرَبَ الأَمْثَالَ وَذَكَرَ، وَإِنَّهَا لمثْلِ القُرْآنِ بَلْ هِي أَكْثَر. وَقَدِ ارْتَبَطَ بِهَا أَتْبَاعُهُ ﷺ الَّذي هُو مَلَاكُ سَعَادَةِ الدَّارَيْنِ، وَالحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، وَمَا الحَقُّ إِلَّا فِيمَا قَالَهُ ﷺ أَو عَمِلَ بِهِ أَوْ قَرَّرَهُ أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِ، أَوْ تَفَكَرَ فِيهِ أَو خَطَرَ بِبَالَهُ أَوْ هَجَسَ فِي خُلْدِهِ وَاسْتَقَامَ عَلَيْهِ. فَالعِلْمُ فِي الحَقِيقَةِ هُوَ عِلْمُ السُّنَّةِ وَالكِتَابَ، وَالعَمَلَ بِهمَا فِي كُلِّ إِيَابٍ وَذَهَابٍ وَمَنْزِلَتُهُ بَيْنَ العُلُومِ مَنْزِلَة الشَّمْسِ بَيْنَ كَوَاكِبَ السَّمَاءَ وَمِزْيَةُ أَهْلِهِ عَلَى
1 / 13
غَيْرِهِم مِنَ العُلَمَاءِ مِزْيَةَ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ: "وَذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيِه مَنْ يَشَاءُ" فَيَا لَهُ مِن عِلْمٍ سِيْطَ بِدَمِّهِ الحَقُّ وَالهُدَى وَيخيطَ بِعُنُقِهِ الفَوْزَ بِالدَّرَجَاتِ العُلا.
وَقَدْ كَانَ الإِمَامُ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ ﵇ يَقُولُ: "إِنَ مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ بَصِيْرَتُهُ أَوْ فِطْنَتُهُ بِالحَدِيْثِ". وَلَقَدْ صَدَقَ فَإِنَّهُ لَو تَأمَّلَ المُتَأَمِّلُ بِالنَّظَرِ العَمِيقِ وَالْفِكْرِ الدَّقِيْقِ لَعَلِمَ أَنَّ لِكُلِّ عِلْمٍ خَاصِّيَّةَ تَتَحَصَّلُ بِمُزَاوَلَتِهِ لِلنَّفْسِ الإِنْسَانِيَّةِ كَيْفِيةُ مِن الكَيْفِيَّاتِ الحَسَنَةِ أَوِ السَّيِّئَةِ وَهَذَا عِلْمٌ تُعطِي مُزَاوَلَتُهُ صَاحِبَ هَذَا العِلْمِ مَعْنَى الصَّحَابِيَّةِ لَأنَّهَا فِي الحَقِيْقَةِ هِي الاطِّلاعُ عَلَى جُزئِيَّاتِ أَحْوَالِهِ ﷺ وَمُشَاهَدَةِ أَوْضَاعِهِ فِي العِبَادَاتِ وَالعَادَاتِ كُلهَا وَعِنْدَ بُعْدِ الزَّمَانِ يَتَمَكَّنُ هَذَا المَعْنَى بِمُزَاوَلَتِهِ فِي مُدركَةِ المُزَاوِلِ وَيَرْتَسِمُ فِي خَيَالِهِ بِحَيْثُ يَصِيرُ فِي حُكْمِ المُشَاهَدَةِ وَالعَيَانِ وإِلَيْهِ أَشَارَ القَائِلُ بِقَوْلِهِ:
أَهْلُ الحَدِيثِ هُمُوا أَهْلُ النَّبِيِّ وَإِنْ ... لَمْ يَصْحَبُوا نَفْسَهُ أَنْفَاسَهُ صَحِبُوا (١)
* أهمية الكتاب العلمية:
يستمد الكتاب أهميته من أمور أساسية:
- أولها أن "علم الحديث خطير وقعه، كثير نفعه، عليه مدار أكثر الأحكام، وبه يعرف الحلال والحرام، ولأهله اصطلاح لابد للطالب من فهمه فلهذا ندب إلى تقديم العناية بكتاب في علمه" (٢).
_________
(١) قَوَاعِد التَّحْدِيثِ مِن فُنُونِ مُصْطَلَحٍ الْحَدِيثِ (ص ٤٤ - ٤٧).
(٢) مقتبس من مقدمة شرح العراقي لألفيَّته.
1 / 14
- ثانيها أن الكتاب الذي بين يديك اختصار لكتاب يعتبر الأصل والمَعين لكل من جاء بعده ألا وهو "مقدمة ابن الصلاح" الذي قال فيه البلقيني (محاسن الاصطلاح ١٦٤ - مع المقدمة): "من أهم ما يعتني به الطالب ويرغب فيه الراغب، معرفة أنواع علوم الحديث. ولقد تكلم على ذلك جمع من العلماء في القديم والحديث، ومن أحسنها جمعًا وأكثرها نفعًا وأعظمها وقعًا، كتاب الحافظ العلامة أبي عمرو ابن الصلاح، الذي أظهر فيه معظم الاصطلاح"
وقال فيه (١) الحافظ ابن حجر في نزهته: "عكف الناس عليه وساروا بسيره، فلا يحصى كم ناظم له ومختصر، ومستدرك عليه ومقتصر، ومعارض له ومنتصر"
- ثالثها أن مختصِره إمام من الأئمة، ولا شك أن من كان من العلماء النابهين أجدر على تلخيصه وتخليص فوائده من غير إخلال ولا إملال وهو ما فعله إمامنا ﵀ رحمة واسعة.
نسبة الكتاب لابن كثير:
ثبت أن للإمام ابن كثير كتابًا مختصرًا في علوم الحديث وهو اختصار لكتاب الإمام ابن الصلاح وثبت ذلك بأمور منها:
١ - اسم الكتاب على طرة [*] بعض المخطوطات "اختصار علوم الحديث" ونسبته لابن كثير.
٢ - قوله في مقدمة الكتاب: "ولما كان الكتاب الذي اعتنى بتهذيبه
_________
(١) أي في مقدمة ابن الصلاح
[*] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: قال البقاعي في النكت الوفية (٢/ ١٨٦) ط. الرشد: «الطُّرَّةُ - بضمِّ الطاء المهملة ثم راء مهملة مشدَّدة -: هي حاشية الكتاب. . .» ا. هـ. ومن الممكن أن يقال غلاف المخطوط أو ورقته الأولى أو مقدمته أو صدره وهكذا.
1 / 15
الشيخ الإمام العلامة، "أبو عمرو ابن الصلاح" -تغمده الله برحمته- من مشاهير المصنفات في ذلك بين الطلبة لهذا الشأن، وربما عني بحفظه بعض المهرة من الشبان؛ سلكت وراءه، واحتذيت حذاءه، واختصرت ما بسطه، ونظمت ما فرطه."
٣ - تصريح الحافظ ابن كثير في الكتاب بأسماء مشايخه كقوله في عدة مواضع قال شيخنا المزي ونحوها، وكذلك تصريحه باسم شيخه ابن تيمية
٤ - صرح باسم كتابه التكميل في ثلاث مواضع من كتابه هذا في النوع الخامس والأربعون، والنوع السادس والخمسون، والنوع الستين
٥ - نقل كثير من العلماء لنصوص من هذا الكتاب ونسبتها لابن كثير.
انظر الشذا الفياح ١/ ٨١، ٩٠، ١٢٦، التقييد للعراقي ص ٥٤، ١٤٤، النكت لابن حجر ١/ ٤٣٢، فتح المغيث ١/ ٣٤٨، ٢/ ٤٧ وغيرها كثير.
٦ - نسبه إليه كثيرٌ ممن ترجم للإمام ابن كثير:
- منها ما جاء في "الدرر الكامنة" (١/ ٤٤٦): "قد اختصر ... كتاب ابن الصلاح وله فيه فوائد"
- ومنها ما جاء في "كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون" (٢/ ١١٦٢): "واختصره (أي كتاب ابن الصلاح) أيضا: عماد الدين، أبو الفداء: إسماعيل بن عمر القرشي، المعروف: بابن كثير. المتوفَّى: سنة ٧٧٤. وأضاف إلى ذلك: الفوائد الملتقطة من: (المدخل إلى كتاب السنن)، كلاهما: للبيهقي."
_________
(١) انظر: "الشذا الفياح" ١/ ٨١، ٩٠، ١٢٦، "التقييد" للعراقي (ص ٥٤، ١٤٤)، "النكت" لابن حجر ١/ ٤٣٢، "فتح المغيث" ١/ ٢، ٤٧/ ٣٤٨ وغيرها كثير.
1 / 16
* حَوْلَ تَسْمِيَةِ الكِتَابِ:
المعْرُوفُ المشْهُورُ بَيْنَ طَلَبَةِ العِلْمِ أَنَّ مُختَصَرِ ابنِ كَثِير يُسَمَّى:
"البَاعِث الحَثِيث إلى اختِصَارِ عُلُومِ الحَدِيثِ"، فَمِن أَهْلِ العِلْمِ مَنْ أَقَرَّ هَذِهِ التَّسْمِيةِ وَمِنهُم مَن قَالَ بِأَنَّ هَذِه التَّسمِيةَ هِيَ لِشَرحِ الشَّيْخِ أَحمَد شَاكِر شَارح الكِتَاب! !
كَمَا بَيَّن الشَّيخُ خَالِد الحَايِك -حَفِظَهُ اللهُ- فِي مُقَدّمَتِهِ الوَافِيةِ الضَّافِيةِ هَذِه الَمسْأَلَةِ فَحَرَّرَ أُصُولِهَا وَسَرَدَ أَدِلَّتَهَا فَلْيُرْجَع إِلَيهَا.
- الباعث على تحقيق "الباعث" تحقيقا جديدا:
هذه الصحوة العلمية المباركة، التي أثمرت انتشارًا للعلم الشرعي، وكثرة دروسه وحِلقه.
وقد جعل الله لهذا الكتاب القبول بين العلماء وطلبة العلم عموما والمختصين بعلوم الحديث على وجه الخصوص منذ أن قام على نشره العالم الفاضل القاضي الشرعي أبو الأشبال أحمد محمد شاكر، وحلّاه بحواشٍ مفيدة وتعليقات سديدة، فقد جعل الله له القبول شرحا وتدريسا وتعليقا.
ولما نفدت طبعته تلك التي قام على نشرها الشيخ شاكر، وطبع بعد ذلك طبعات عديدة لا تعدوا أن تكون تصويرا لتلك الطبعة، ولم نقف على إخراج جديد للكتاب إلا ما كان من الشيخ الفاضل علي حسن عبد الحميد الحلبي -حفظه الله- فقام على نشر الكتاب على مخطوط جديد وقابل العمل في نهايته على مخطوط آخر كما بين هو في مقدمته.
وانتشرت نشرته تلك وكتب الله لها القبول فلما وقفنا على
1 / 17
مخطوطات جديدة للكتاب (١) وأخذنا على نشرة الشيخ الحلبي بعض مآخذ قليلة نذكر منها:
- كبر حجم المقدمات والفهارس بما لا يتناسب مع حجم الكتاب حيث كتب المقدمات من ص ٥: ٦٢.، وفهارس الكتاب من ص ٦٧٩: ٧٨٤.
- عدم فصل تعليقات الشيخ شاكر عن غيره، مما أدى إلى وجود التباس في بعضها (٢).
- بعض التعليقات والتعقبات أخذت حيزا كبيرا ويمكن الاستغناء عنها. خاصة تعليقات الشيخ الألباني ﵀ فهو لم يقصد الشرح أو التعليق وإنما هو مرور سريع على الكتاب وتعليقات من رأس القلم:
- نفاد طبعة الشيخ الحلبي من المكتبات زد على ذلك سعرها المرتفع جدا إن وجدت.
- بعض السقط والتحريف وهو قليل والكمال لله وحده.
فانشرح صدرنا للعمل في الكتاب وتحقيقه والتعليق عليه بما يستحق من غير تطويل ممل أو اختصار مخل.
وكانت كلمات العلامة بكر أبو زيد في منهج التحقيق التي يقول فيها:
_________
(١) وهي خمس مخطوطات يأتي وصفها إن شاء الله والكلام عليها وعلى قيمتها العلمية
(٢) ولهذا قمنا بوضع كلمة [شاكر] هكذا في أول التعليق وأيضا هكذا [شاكر] في آخره لاستبعاد أي خطأ أو التباس إن شاء الله
1 / 18
"إن ماهية التحقيق: إثبات النص على الوجه الذي أراده عليه مؤلفه، مُحشِّيا هذا النص بما يسمى عدة النقد، أو الجهاز النقدي، ولو لقب باسم: "عدة التوثيق" لكان أولى.
وهو يمثل في الخطوات الآتية:
- إثبات فروق النسخ. وما عليها من حواشي وهي المسماة: "الإبرازات"
- استكمال الخرم. نتيجة انتقال النظر أو ما يسمى عبور النظر ولنحوه من الأسباب مما يقع من مؤلف أو ناسخ.
- ضبط مشكل الكلمات وإيضاح غامضها ومشكلها.
- تخريج نصوص الأصل بذكر مصادرها، لا بإعادة نقلها من تلك المصادر ... " (١) انتهى
فرسمت لنا هذه الكلمات المنهج الذي سرنا عليه.
- المنهج المتبع في تحقيق الكتاب والتعليق عليه:
أولا ما يخص العمل في "متن اختصار علوم الحديث" للحافظ ابن كثير:
قَدَّمْنَا العِنَايَةَ بِالنَّصِّ وَضَبْطِهِ وَمُرَاجَعَتِهِ مِرَارًا عَلَى المَخْطُوطَاتِ المُتَاحَةِ وَالتِي يَأتِي وَصْفُهَا قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللهُ.
العِنَايَةُ بِضَبْطِ المُصْطَلَحَاتِ وَالأَعْلَامِ (بِالشَّكْلِ، أَوْ بِالحَرْفِ) عِنَايَةً كَبِيرَةً.
_________
(١) التعالم (ص ٧٧).
1 / 19
• تَقْسِيمُ فَقرَاتِ الكِتَابِ تَقْسِيمًا يُرَاعِي الفَائِدة.
• العِنَايَةُ بِالقَوَاعِدِ العِلْمِيَّةِ المُتَّبَعَةِ فِي قَوَاعِدَ وَعَلامَاتِ التَّرْقِيمِ.
• ثم لما كان كتابنا هذا اختصارا لكتاب الإمام أبي عمرو ابن الصلاح ﵀ قمنا بتوثيق عباراته ونقولاته وأبوابه من كتاب ابن الصلاح معتمدين في ذلك طبعة الدكتورة بنت الشاطئ عائشة عبد الرحمن لأنها تحوي في حواشيها كتاب "محاسن الاصطلاح" للحافظ البُلقيني فكأننا عزونا لكتابين معًا.
• في بداية كل باب ذكرنا عِدة مصادر في أصول الحديث ومصطلحه تيسيرا للدارس، وشارح الكتاب وكان اعتمادنا على الأصول التي اعتنت بـ "مقدمة ابن الصلاح" وكذلك أهم كتب أصول هذا الفن في الجملة وهي على الترتيب:
"معرفة علوم الحديث" للحاكم، "الكفاية" للخطيب، "شرح علل الترمذي" لابن رجب، "النكت على ابن الصلاح" للزركشي، "التقييد والإيضاح" للعراقي، "الشذا الفياح" لبرهان الدين الأبناسي، "النكت على ابن الصلاح"، و"نزهة النظر" لابن حجر، "فتح المغيث" للسخاوي، "تدريب الراوي" للسيوطي.
ومن الكتب المُعاصرة التى استعنا بها ورجعنا إليها وعولنا في الغالب عليها:
"التنكيل" لذهبي العصر الإمام عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، "تحرير علوم الحديث" للشيخ
1 / 20