الصفة الأولى أنه تعالى قادر مختار ، القدرة والاختيار لفظان مترادفان ومشتركان بين معنيين :
أحدهما كون الفاعل بحيث يصح منه الفعل والترك بمعنى انه لا يلزمه أحدهما إلا بشرط الإرادة ، ويقابله الإيجاب وهو كونه بحيث يلزمه أحد الطرفين بلا اشتراط الإرادة.
وثانيهما كون الفاعل بحيث إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل ، والمراد هاهنا المعنى الأول لانه المختلف فيه بين المتكلمين والحكماء القائلين بالإيجاب. وأما كونه تعالى مختارا بالمعنى الثاني فمتفق عليه بين الفريقين إلا ان الحكماء ذهبوا الى أن المشية من لوازم ذاته من حيث هى هى يمتنع انفكاكها عنه ، فمقدم الشرطية الأولى واجب الصدق ومقدم الثانية واجب الكذب ، وكلتا الشرطيتين صادقتان فى حقه تعالى ، فهذا المعنى لا ينافى الإيجاب ، ضرورة أن الفعل إذا كان لازما للمشية وهى لازمة للذات من حيث هى هى كان الفعل لازمان للذات من حيث هى هى وهو الإيجاب ، بخلاف المعنى الأولى فإنه يقتضي أن لا يكون الإرادة لازمة للذات من حيث هى هى ، فلا يكون فعل اللازم للإرادة لازما للذات من حيث هى هى فيكون منافيا للإيجاب قطعا. وبهذا التحقيق اندفع ما توهم أن المعنى الأول أيضا لا ينافى الإيجاب لأن أحد الطرفين لا يلزم الذات بدون الإرادة اتفاقا ويلزمها مع الإرادة اتفاقا فلا تغفل.
وإنما قدم صفة القدرة على صفة العلم مع أن العلم أعم من القدرة لشمولها الممكنات والممتنعات واختصاص القدرة بالممكنات ، وتقديم الأعم أولى كما لا يخفى ، لأن القدرة بالمعنى المقصود مختلف فيها بين الحكماء والمتكلمين بخلاف العلم ، اذ لم ينكره إلا شرذمة قليلة من قدماء الحكماء ففيها زيادة اهتمام يقتضي تقديمها.
وأما ما قيل من أن تقديم القدرة على العلم لكونها اصلا بالنسبة إليه متضمنة له فان القدرة مشتملة على الداعى وهو العلم بالمصلحة. وما قيل ان تقديم القدرة لاستدعاء القدرة الصنع ففيها ما لا يخفى
** ، لان العالم
والنبات عالم وربما يطلق على الكل وهو المراد
صفحہ 99