بين لحييه ثم لم يتدبرها رتب الذم على تقدير عدم تدبرها ، اى عدم الاستدلال بما تضمنه الآية عن ذكر الاجرام السماوية والأرضية ، بما فيها من آثار الصنع والقدرة والعلم بذلك الدالة على وجود صانعها ، وقدرته وعلمه ، فيكون النظر والاستدلال واجبا وهو المطلوب.
قال : بالدليل لا بالتقليد.
اقول : الدليل لغة ، هو المرشد والدال ، واصطلاحا هو ما يلزم من العلم به العلم بشيء آخر ، ولما وجبت المعرفة وجب ان تكون بالنظر والاستدلال ، لانها ليست ضرورية ، لان المعلوم ضرورة هو الذي لا يختلف فيه العقلاء ، بل يحصل العلم بادنى سبب من توجه العقل إليه ، والاحساس به ، كالحكم بان الواحد نصف الاثنين ، وان النار حارة والشمس مضيئة ، وان لنا خوفا وغضبا وقوة وضعفا وغير ذلك. والمعرفة ليست كذلك لوقوع الاختلاف فيها ، ولعدم حصولها بمجرد توجه العقل إليها ، ولعدم كونها حسية. فتعين الاول لانحصار العلم فى الضرورى والنظرى ، فيكون النظر والاستدلال واجبا ، لان ما لا يتم الواجب المطلق الا به ، وكان مقدورا عليه ، فهو واجب لانه اذا لم يجب ما يتوقف عليه الواجب المطلق فإما أن يبقى الواجب على وجوبه أولا ، فمن الأول يلزم تكليف ما لا يطاق ، وهو محال كما سيأتى ، ومن الثاني يلزم خروج الواجب المطلق عن كونه واجبا مطلقا ، وهو محال أيضا.
والنظر هو ترتيب امور معلومة للتادى الى امر آخر وبيان ذلك هو ان النفس يتصور المطلوب أولا ، ثم يحصل المقدمات الصالحة للاستدلال عليه ، ثم يرتبها ترتيبا يؤدى الى العلم به.
ولا يجوز معرفة الله بالتقليد. والتقليد هو قبول قول الغير من غير دليل. وانما قلنا ذلك لوجهين : الاول ، انه اذا تساوى الناس فى العلم ، واختلفوا فى المعتقدات ، فإما أن يعتقد المكلف جميع ما يعتقدونه ، فيلزم اجتماع المتنافيات ، أو البعض دون بعض ، فاما أن يكون لمرجح أولا ، فإن كان الاول ، فالمرجح هو الدليل. وان كان الثاني ، فيلزم الترجيح بلا مرجح ، وهو محال. الثانى ، انه تعالى ذم التقليد بقوله :
صفحہ 4