فقالت علية ضاحكة: لن تخيفني بسخريتك، أتستطيع أن تبين لنا ماذا فعلت أنت لهؤلاء؟
فسكت سعيد لحظة، وعلق فؤاد أنفاسه ليستمع إلى جوابه، وسأل نفسه هذا السؤال عينه، ماذا فعل هو لأولئك الذين يكثر عنهم الأحاديث؟ ألم يمد إليهم يده من بعيد حتى إذا ما خشي أن تصيبه معرة أو سخرية قبضها عنهم والتمس لنفسه النجاة؟!
وقال سعيد في صوته الهادئ: لا أستطيع أن أكابر في الحقائق يا عزيزتي، إنني لم أصنع لهم أكثر من أن أرسم بعض صورهم على لوحاتي.
فضحكت علية منتصرة وقالت: أتكفي هذه الصور البارعة في مساعدة هؤلاء الأصدقاء؟ قدمها لهم إذا شئت لعلهم يجدون فيها عزاء على ما هم فيه من شقاء.
ونظرت إلى فؤاد باسمة في صمت.
وخيل إليه أنها تهم بأن تسأله عما فعله هو كذلك لأصدقائه المساكين، ودب إليه شعور بالنجاة عندما قامت تنظر من النافذة قائلة: إننا نضيع وقتنا هباء في مثل هذه المناقشة، وقد طالت جلستنا بين الجدران في مثل هذا الجو البديع، هلموا إلى الحديقة.
ولم تنتظر بل سارت إلى الباب، ووثب صدقي يسير وراءها.
وقام سعيد قائلا لفؤاد: حقا إن الحديقة في هذا الوقت ممتعة، ألم تر مجموعة الأبصال التي زرعتها علية؟
فقام فؤاد يجر قدميه وراءه إلى الحديقة، ومر اليوم عليه بطيئا حتى عاد إلى دمنهور في قطار المساء.
ولما عاد إلى دمنهور في تلك الليلة كانت الوحشة تخيل إليه كأنه وحيد منبوذ، فما قيمة كل هذه الحياة التي كلما تعلق فيها بأمل وجده ينهار في يده ويهوي به إلى الهوة المظلمة التي كان يحاول الخروج منها؟! وقد راجع نفسه من قبل مرة بعد أخرى وعللها بالأماني وخادعها بالحجج، ولكن ما جدوى كل هذا والحق واضح أمام عينيه إن كان يريد أن يعرفه، إن علية تحب هذا الفتى الوسيم الرشيق الأنيق، تحب صدقي الذي يعرف كيف يستميلها بلفظه المعسول وأدبه المزوق وبراعته في الأحاديث ولا يتردد في التودد إليها في كل مناسبة.
نامعلوم صفحہ