فقال فؤاد في ارتياح: لقد بعد العهد على سماع آرائك وأنا مشوق إلى استعادة ما كنت أحسه عند سماعها ، لم أنس بعد كيف كنت أقف بك على قنطرة الطريق الحديدي ونحن عائدان من نزهتنا، فأعكر عليك صفو اليوم بمحاسبتي عما أضعنا فيه يومنا، ولكنك كنت دائما تنتصر وتتغلب ببشرك وصفائك على مجادلتي.
فقال سعيد: هذه مجاملة لا أظنني جديرا بها، قد يكون ما تراه مني أثرا من آثار قصوري، فأنا لا أطيق أن أغوص إلى ما هو أبعد مما يقع عليه حسي، أما تذكر كيف كنت أصيح بك «لقد أفسدت علينا نزهة يومنا؟»
فقال فؤاد في رنة من الحزن: وها أنا ذا أحاول أن أفسد على نفسي ما أحسه من سرور بلقائك يا سعيد، حدثني عن نفسك ودعني أحدثك عن نفسي.
فعاد سعيد يقص عليه بعض أنبائه منذ غاب عنه، وفؤاد يبادله الحديث بطرف مما عنده، وكان الظلام قد هبط على البحر وهبت الريح شديدة، فاضطربت الأمواج سوداء ثائرة، فقال فؤاد: أظنني أخذت من وقتك أكثر مما ينبغي لي؟
فقال سعيد: بل أحسب أنني لم آخذ من وقتك ما يقنعني، ألا تحب أن تقضي سائر الليلة معي؟
فنظر فؤاد إليه مترددا فبادر سعيد قائلا: إني أقيم في مرسمي وهو في حديقة الدار، فلن تزعج بزيارتك أحدا غيري.
فابتسم فؤاد قائلا: كما تعودت أن أزعجك قديما.
وقاما يسيران على طريق الكورنيش يتذكران ما طرأ على ذلك الشاطئ من تغيير في مدة سنوات قليلة، وكانت الدار على ربوة يصعد إليها الطريق مدرجا من محطة السراي، ومن حولها حديقة بديعة التنسيق يتخذ سعيد مرسمه في بناء بجانب منعزل منها.
وكان منظر الحديقة في الليل رائعا بين سطوح مطمئنة من العشب وأشجار باسقة من حولها أحواض من شجيرات مزدهرة، وكانت أركانها تلوح في الظلام بعيدة يخترقها شعاع من ضوء مصباح خافت يزيدها غموضا.
فقال فؤاد معجبا: إنها حديقة فنان.
نامعلوم صفحہ