إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ، والذي كان يكره الصلاة في المسجد الجامع؛ لأنه كان يكره الإمام ومن إليه من العلماء، ويؤثر الصلاة في جامع صغير لا قيمة له ولا مكانة.
ومنهم هذا الشيخ ... الذي لم يكن يقرأ ولا يكتب ولا يحسن قراءة الفاتحة، ولكنه كان شاذليا من أصحاب الطريق، كان يجمع الناس إلى الذكر، ويفتيهم في أمور دينهم ودنياهم.
ثم منهم الفقهاء الذين كانوا يقرءون القرآن ويقرئونه للناس، والذين كانوا يميزون أنفسهم من العلماء ويتسمون: «حملة كتاب الله»، والذين كانوا يتصلون بدهماء الناس والنساء منهم خاصة. كانت جمهرتهم من المكفوفين، فكانوا يدخلون البيوت يتلون فيها القرآن، وكان النساء يتحدثن إليهم، ويستفتينهم في أمور الصوم والصلاة وما إلى ذلك من أمورهن. وكان لهؤلاء الفقهاء علم مخالف كل المخالفة لعلم العلماء، الذين يأخذون علمهم من الكتب، والذين بينهم وبين الأزهر سبب قوي أو ضعيف، وكان علمهم مخالفا أيضا لعلم أصحاب الطرق وأهل العلم اللدني، كانوا يأخذون علمهم من القرآن مباشرة، يفهمونه كما يستطيعون، لا كما هو ولا كما ينبغي أن يفهم. يفهمونه كما كان يفهمه سيدنا، وكان من أذكى الفقهاء، وأشدهم علما وأقدرهم على التأويل، سأله الصبي ذات يوم: ما معنى قول الله تعالى:
وقد خلقكم أطوارا ؟ فأجاب هادئا مطمئنا: خلقكم كالثيران لا تعقلون شيئا! أو يفهمونه كما يفهمه جد هذا الصبي نفسه، وكان من أحفظ الناس للقرآن، وأبرعهم في فهمه وتفسيره وتأويله، سأله حفيده ذات يوم عن قول الله تعالي:
ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ، فقال: «على حرف دكة، على حرف مصطبة ... فإن أصابه خير فهو مطمئن في مكانه، وإن أصابه شر انكفأ على وجهه.»
وكان صبينا يختلف
6
بين هؤلاء العلماء جميعا، ويأخذ عنهم جميعا، حتى اجتمع له من ذلك مقدار من العلم ضخم مختلف مضطرب متناقض، ما أحسب إلا أنه عمل عملا غير قليل في تكوين عقله الذي لم يخل من اضطراب واختلاف وتناقض.
الفصل الخامس عشر
وشيوخ الطريق، وما شيوخ الطريق؟! كانوا كثيرين منبثين
نامعلوم صفحہ