والخوف من العفاريت؛ حتى إذا وصلت إلى سمعه أصوات النساء يعدن إلى بيوتهن وقد ملأن جرارهن من القناة وهن يتغنين: «الله يا ليل الله ...» عرف أن قد بزغ الفجر، وأن قد هبطت العفاريت إلى مستقرها من الأرض السفلى، فاستحال هو عفريتا، وأخذ يتحدث إلى نفسه بصوت عال، ويتغنى بما حفظ من نشيد الشاعر، ويغمز من حوله من إخوته وأخواته، حتى يوقظهم واحدا واحدا. فإذا تم له ذلك، فهناك الصياح والغناء، وهناك الضجيج والعجيج،
22
وهناك الضوضاء التي لم يكن يضع لها حدا إلا نهوض الشيخ من سريره، ودعاؤه بالإبريق ليتوضأ.
حينئذ تخفت
23
الأصوات وتهدأ الحركة، حتى يتوضأ الشيخ ويصلي ويقرأ ورده ويشرب قهوته ويمضي إلى عمله، فإذا أغلق الباب من دونه نهضت الجماعة كلها من الفراش، وانسابت
24
في البيت صائحة لاعبة، حتى تختلط بما في البيت من طير وماشية.
الفصل الثاني
كان مطمئنا إلى أن الدنيا تنتهي عن يمينه بهذه القناة التي لم يكن بينه وبينها إلا خطوات معدودة ... ولم لا وهو لم يكن يرى عرض هذه القناة، ولم يكن يقدر أن هذا العرض ضئيل بحيث يستطيع الشاب النشيط أن يثب من إحدى الحافتين فيبلغ الأخرى؟! ولم يكن يقدر أن حياة الناس والحيوان والنبات تتصل من وراء هذه القناة على نحو ما هي من دونها، ولم يكن يقدر أن الرجل يستطيع أن يعبر هذه القناة ممتلئة دون أن يبلغ الماء إبطيه، ولم يكن يقدر أن الماء ينقطع من حين إلى حين عن هذه القناة، فإذا هي حفرة مستطيلة يعبث فيها الصبيان، ويبحثون في أرضها الرخوة عما تخلف من صغار السمك فمات لانقطاع الماء عنه.
نامعلوم صفحہ