فيسرفون في الغطيط، فيلقي اللحاف عن وجهه في خفية وتردد؛ لأنه كان يكره أن ينام مكشوف الوجه، وكان واثقا أنه إن كشف وجهه أثناء الليل أو أخرج أحد أطرافه من اللحاف، فلا بد من أن يعبث به عفريت من العفاريت الكثيرة التي كانت تعمر أقطار البيت
18
وتملأ أرجاءه ونواحيه، والتي كانت تهبط تحت الأرض ما أضاءت الشمس واضطرب الناس. فإذا أوت الشمس إلى كهفها، والناس إلى مضاجعهم، وأطفئت السرج، وهدأت الأصوات، صعدت هذه العفاريت من تحت الأرض وملأت الفضاء حركة واضطرابا وتهامسا وصياحا.
وكان كثيرا ما يستيقظ فيسمع تجاوب الديكة وتصايح الدجاج، ويجتهد في أن يميز بين هذه الأصوات المختلفة، فأما بعضها فكانت أصوات ديكة حقا، وأما بعضها الآخر فكانت أصوات عفاريت تتشكل بأشكال الديكة وتقلدها عبثا وكيدا، ولم يكن يحفل بهذه الأصوات ولا يهابها؛ لأنها كانت تصل إليه من بعيد، إنما كان يخاف الخوف كله أصواتا أخرى لم يكن يتبينها إلا بمشقة وجهد، كانت تنبعث من زوايا الحجرة نحيفة ضئيلة، يمثل بعضها أزيز المرجل
19
يغلي على النار، ويمثل بعضها الآخر حركة متاع خفيف ينقل من مكان إلى مكان، ويمثل بعضها خشبا ينقصم أو عودا ينحطم.
20
وكان يخاف أشد الخوف أشخاصا يتمثلها قد وقفت على باب الحجرة فسدته سدا وأخذت تأتي بحركات مختلفة أشبه شيء بحركات المتصوفة في حلقات الذكر. وكان يعتقد أن ليس له حصن من كل هذه الأشباح المخوفة والأصوات المنكرة؛ إلا أن يلتف في لحافه من الرأس إلى القدم، دون أن يدع بينه وبين الهواء منفذا أو ثغرة، وكان واثقا أنه إن ترك ثغرة في لحافه فلا بد من أن تمتد منها يد عفريت إلى جسمه فتناله بالغمز والعبث.
لذلك كان يقضي ليله خائفا مضطربا إلا حين يغلبه النوم، وما كان يغلبه النوم إلا قليلا. كان يستيقظ مبكرا، أو قل: كان يستيقظ في السحر، ويقضي شطرا طويلا من الليل في هذه الأهوال والأوجال
21
نامعلوم صفحہ