ستة مسدسات مصنوعة محليا صنعت مواسيرها من أنابيب زنك مسروقة من السكك الحديدية. وتستخدم بطريقة بدائية عن طريق دفع مسمار في فرجة الإشعال وإشعاله بحجر.
تسعة وثلاثين خرطوشا عيار اثني عشر.
أحد عشر مسدسا تقليديا مصنوعا من خشب التيك.
بعض المفرقعات الصينية الكبيرة التي كانت ستشعل بغرض الترهيب.
بعد ذلك حكم على اثنين من المتمردين بالنفي خمسة عشر عاما، وبالسجن ثلاث سنوات وخمس وعشرين جلدة على اثنين، والسجن عامين على واحد.
كان من الجلي تماما أن التمرد البائس قد انتهى ولم يعد هناك أي خطر يتهدد الأوروبيين، وهكذا عاد ماكسويل إلى معسكره من دون حراسة. نوى فلوري البقاء في المعسكر حتى يبدأ هطول الأمطار، أو على الأقل إلى حين انعقاد الجمعية العمومية في النادي؛ إذ كان قد وعد بالمشاركة فيها، لاقتراح اختيار الطبيب؛ مع أن موضوع المؤامرة بين يو بو كين والطبيب برمته صار أمرا سقيما له مع انشغاله بالتفكير في مشكلته الشخصية.
مضت أسابيع أخرى وصار الحر بشعا. بدا كأنه تمخض عن الأمطار المتأخرة سخونة في الجو. كان فلوري متوعكا، ويعمل بلا انقطاع منشغلا بمهام صغيرة كان الأجدر تركها للمشرف، جاعلا العمال يكرهونه بل الخدم أيضا. كان يحتسي الجين طوال الوقت، لكن حتى الشرب لم يعد يستطيع إلهاءه. ظلت صورة إليزابيث بين ذراعي فيرال تلاحقه مثل الألم العصبي أو ألم الأذن. كانت تغشاه في أي وقت، حية ومقززة، فتشتت أفكاره، وتنتزعه من على شفير النوم، وتجعل الطعام في فمه علقما. في بعض الأحيان كان يستبد به غضب مستوحش، حتى إنه ضرب كو سلا ذات مرة. كان أسوأ ما في الأمر التفاصيل - التفاصيل القذرة دوما - التي كان يظهر بها المشهد الخيالي. يبدو أن دقة التفاصيل في حد ذاتها كانت تثبت حقيقة الواقعة.
هل هناك في العالم ما هو أكثر وقاحة وأكثر خزيا من الرغبة في امرأة لن تكون لك أبدا؟ ظل فلوري طيلة هذه الأسابيع لا يأتي ذهنه سوى الأفكار القاتلة أو الفاحشة. إنه العرض الشائع للغيرة. كان قد أحب إليزابيث حبا روحيا، وعاطفيا لا شك، رغبة في عطفها أكثر من ملامساتها؛ والآن، بعد أن فقدها، صار يعذبه شوق الجسد الشديد الدناءة. لكنه لم يعد يراها مثالية. إنما يكاد يراها الآن على حقيقتها - سخيفة ومتغطرسة وبلا قلب - لكن لم يؤثر هذا في اشتياقه إليها. فهل يحدث هذا أي اختلاف على الإطلاق؟ في الليل حين يضطجع ساهدا، وقد جر فراشه خارج الخيمة من أجل البرودة، وبينما هو يجول ببصره في الظلام المخملي الذي كان يتردد فيه نباح أحد الكلاب أحيانا، كان يكره نفسه للصور التي سكنت عقله. كان شيئا دنيئا جدا أن يحسد رجلا أجدر منه وتفوق عليه. كان ذلك حسدا؛ فحتى الغيرة هي مسمى أفضل بكثير من الشيء الذي يعتريه. وبأي حق يشعر بالغيرة؟ لقد عرض نفسه على فتاة أصغر وأجمل بكثير من أن تناسبه، وقد رفضته عن حق. لقد نال الإهانة التي استحقها. لم يكن حتى ثمة أي استئناف لذلك الحكم؛ فلا شيء مطلقا سيجعله شابا مجددا، أو يمحو وحمته وعقدا من عمره قضاه في الفسق وحيدا. لم يكن في وسعه سوى أن يقف ويشاهد الرجل الأمثل وهو يحصل عليها ويحسده، مثل ... بيد أن التشبيه لم يكن حتى يستحق الذكر. إن الحسد شيء رهيب. إنه غير سائر أنواع المعاناة جميعا في أنه لا سبيل للتستر عليه ولا الارتقاء به إلى مستوى المأساة. إنه ليس مؤلما فحسب، وإنما مقزز أيضا.
لكن في الوقت ذاته هل كان صحيحا ما شك فيه؟ هل صار فيرال حقا حبيب إليزابيث؟ لا سبيل لمعرفة ذلك؛ لأن الأمر إذا كان كذلك، فلن يخفى في مكان مثل كياوكتادا. أغلب الظن أن السيدة لاكرستين كانت ستخمنه، حتى إذا لم يخمنه الآخرون. لكن كان ثمة شيء مؤكد، وهو أن فيرال لم يتقدم للزواج منها حتى الآن. مر أسبوع، أسبوعان، ثلاثة أسابيع؛ ثلاثة أسابيع مدة طويلة جدا في قاعدة هندية صغيرة. كان فيرال وإليزابيث يركبان الخيل معا كل مساء، ويرقصان معا كل ليلة؛ إلا أن فيرال لم يدخل حتى منزل آل لاكرستين قط. بالطبع كانت النميمة عن إليزابيث لا تنقطع. وسلم كل الشرقيين بأنها عشيقة فيرال. كانت رواية يو بو كين للأمر (إذ كان من شأنه أن يكون مصيبا في الأساس حتى حين يخطئ في التفاصيل) أن إليزابيث كانت محظية فلوري وهجرته من أجل فيرال؛ لأن فيرال دفع لها نقودا أكثر. كان إليس أيضا يختلق حكايات حول إليزابيث جعلت السيد ماكجريجور يرتبك. لم تسمع السيدة لاكرستين هذه النميمة، بصفتها قريبتها، لكنها ازدادت قلقا. في كل مساء حين كانت إليزابيث تعود إلى المنزل بعد جولتها كانت تلقاها مستبشرة، متوقعة أن تقول: «يا عمتي! ما رأيك؟!» ثم الخبر السعيد. لكن الخبر لم يأت قط، ولم تستطع التكهن بأي شيء مهما استقرأت وجه إليزابيث بعناية. حين مرت ثلاثة أسابيع توترت السيدة لاكرستين ثم اعتراها بعض السخط في النهاية؛ فقد كان يستحوذ على تفكيرها خاطر أن زوجها بمفرده - أو بالأحرى ليس بمفرده - في المعسكر. فقد تركته يعود إلى المعسكر حتى تعطي إليزابيث فرصتها مع فيرال على أي حال (إلا أن السيدة لاكرستين لم تكن لتعبر عن الأمر بذلك الابتذال). ذات مساء راحت تؤنب إليزابيث وتهددها بأسلوبها الموارب. اقتصرت المحادثة على حوار منفرد من التنهدات تخللته فترات توقف طويلة جدا - إذ لم تحر إليزابيث جوابا مطلقا.
بدأت السيدة لاكرستين ببعض الملحوظات العامة، في إشارة إلى صورة في مجلة «تاتلر»، عن أولئك الفتيات المعاصرات المتسرعات اللواتي يرتدين ملابس البحر وما إلى ذلك ويجعلن أنفسهن رخيصات رخصا بغيضا مع الرجال. قالت السيدة لاكرستين إن الفتاة لا بد ألا تجعل نفسها شديدة الرخص مع الرجل أبدا؛ وإنما لا بد أن تجعل نفسها ... لكن مضاد «الرخيص» على ما يبدو هو «الباهظ»؛ وذلك لم يبد مناسبا مطلقا، لذلك غيرت السيدة لاكرستين مسارها. راحت تخبر إليزابيث عن خطاب جاءها من الوطن بمزيد من الأخبار عن تلك الفتاة المسكينة جدا التي ظلت في بورما فترة من الوقت وتجاهلت الزواج في حماقة شديدة. كانت تعاني معاناة مفجعة، وهذا بالتأكيد يثبت كم لا بد أن تكون الفتاة مقبلة على الزواج من أي شخص، أي شخص حرفيا. تبين أن الفتاة العزيزة المسكينة البائسة قد فقدت وظيفتها وظلت تتضور جوعا فعليا لمدة طويلة، بعدها اضطرت إلى العمل خادمة عادية في مطبخ تحت إمرة طاهية فظة الطباع بغيضة تستأسد عليها بأسلوب مروع للغاية. وبدا أن الخنافس السوداء في المطبخ كانت فوق الوصف تماما! ألا ترى إليزابيث أن الأمر فظيع أشد الفظاعة؟ خنافس سوداء!
نامعلوم صفحہ