ظل فلوري ضاما أحد الكتب إلى صدره غافلا. لقد ترجل فيرال وإليزابيث. لم تكن حادثة؛ فلا يمكن لأحد أن يتخيل أن يسقط فيرال عن حصانه مهما شطح بخياله. لقد نزلا عن الخيل، والمهران هربا.
لقد نزلا. لأي سبب؟ لكنه كان يعلم السبب! لم تكن مسألة شك: فقد كان متيقنا. أمكنه أن يرى الأمر برمته وهو يحدث، في واحدة من تلك الهلوسات الشديدة الدقة في تفاصيلها والقذارة في فحشها حتى ليستحيل تحملها. وهنا رمى الكتاب بعنف واتجه إلى المنزل، تاركا تاجر الكتب خائب الأمل. سمعه الخدم وهو يتحرك داخل المنزل، ثم يطلب زجاجة ويسكي. احتسى شرابا لكنه لم يجده نفعا، ثم ملأ ثلثي قدح، وأضاف إليه كمية مناسبة من المياه ليجعله مستساغا، وابتلعه. لم تلبث الجرعة الملوثة الباعثة على الغثيان أن تنزل جوفه حتى كررها. كان قد أقدم على نفس الشيء في المعسكر ذات مرة، منذ سنوات، حين أوجعه ألم الأسنان وجعا شديدا وكان على بعد ثلاثمائة ميل من طبيب الأسنان. حين دقت الساعة السابعة دخل عليه كو سلا كالعادة ليقول إن مياه الحمام صارت ساخنة. كان فلوري مستلقيا على أحد المقاعد الطويلة، وقد خلع معطفه وتقطع قميصه عند العنق.
قال كو سلا: «حمامك يا سيدي.»
لم يجب فلوري، فلمس كو سلا ذراعه، ظانا أنه نائم. كان فلوري ثملا جدا حتى إنه لم يقو على الحركة. وكانت الزجاجة الفارغة قد تدحرجت على الأرض، تاركة خطا من قطرات الويسكي خلفها. نادى كو سلا على با بي والتقط الزجاجة وهو يطرقع بلسانه. «انظر! لقد شرب أكثر من ثلاثة أرباع الزجاجة!» «مرة أخرى؟ كنت أعتقد أنه قد أقلع عن الشراب؟» «إنها تلك المرأة الملعونة، على ما أظن. الآن لا بد أن نحمله برفق. أمسك أنت كعبيه، وأنا سأحمل رأسه. هكذا. هيا ارفعه!»
حملا فلوري إلى الحجرة الأخرى ووضعاه برفق في الفراش.
تساءل با بي قائلا: «هل سيتزوج حقا هذه المرأة الإنجليزية؟» «الرب يعلم. إنها عشيقة ضابط الشرطة الشاب الآن، حسب ما سمعت. إن عاداتهم مختلفة عن عاداتنا. أعتقد أنني أعلم ما الذي سيحتاجه الليلة.» أضاف هذا وهو يفك حمالات فلوري؛ فقد كان كو سلا متمرسا في الفن الضروري جدا لدى خادم العزاب، وهو فن خلع ملابس سيده من دون أن يوقظه.
كان الخدم بالأحرى مسرورين برؤية هذه العودة لعادات العزوبية. استيقظ فلوري قرب منتصف الليل، عاريا في بركة من العرق. شعر كأن جسما معدنيا كبيرا حاد الزوايا يتخبط داخل رأسه. كانت الناموسية مرفوعة، وثمة شابة جالسة بجانب الفراش تهوي له بمروحة خوص. كان وجهها زنجي الملامح مليحا، بدا في ضوء الشموع ذهبي اللون مائلا للبرونزي. أوضحت له أنها بغي، وأن كو سلا استأجرها على مسئوليته مقابل عشر روبيات.
كان رأس فلوري يؤلمه ألما مبرحا، فقال بوهن للمرأة: «أعطيني شيئا لأشربه بالله عليك.» أتته ببعض المياه الغازية التي كان كو سلا قد تأهب بتبريدها ونقع منشفة ووضع كمادة حول جبهته. كانت المرأة كائنا بدينا لطيف الطبع. أخبرته أن اسمها ما سين جالاي، وأنها بجانب ممارسة مهنتها الأخرى كانت تبيع سلال الأرز في البازار القريب من متجر لي ييك. تحسن حال رأس فلوري بعد قليل، وطلب منها سيجارة؛ وعندئذ قالت ما سين جالاي بسذاجة، بعد أن أتت بالسيجارة: «هل أخلع ملابسي الآن يا سيدي؟»
قال فلوري بفتور لنفسه: لم لا؟ أفسح لها مكانا على الفراش. لكن حين شم الرائحة المألوفة للثوم وزيت جوز الهند، شعر بألم ما بداخله، وبكى بالفعل متوسدا برأسه كتف ما سين جالاي السمين، وهو ما لم يفعله منذ كان في الخامسة عشرة من عمره.
الفصل العشرون
نامعلوم صفحہ