أخرج الحقيبة الصفيح لملابسه الرسمية من أسفل الفراش وأخرج خمس ورقات بنكنوت بعشر روبيات. ودستها هي بصمت في صدر بلوزتها، وكانت دموعها قد توقفت عن التدفق على حين غرة. ومن دون أن تتكلم ذهبت إلى الحمام للحظة، ورجعت وقد استعاد وجهها بالغسيل لونه البني الطبيعي، واستعاد شعرها وزيها هندامهما. كانت تبدو متجهمة لكنها لم تعد في حالة هستيرية. «للمرة الأخيرة يا سيدي: ألا تريد أن تردني؟ هل هذه كلمتك الأخيرة؟» «نعم، ليس الأمر بيدي.» «سأذهب إذن يا سيدي.» «حسنا جدا. ليصحبك الرب.»
استند إلى العمود الخشبي للشرفة وهو يشاهدها تسير في الممشى تحت أشعة الشمس المتقدة. كانت تسير بانتصاب شديد، وقد تركت الإهانة المريرة أثرها على هيئة ظهرها ورأسها. كان صحيحا ما قالته، لقد سلبها شبابها. راحت ركبتاه ترتجفان بلا سيطرة. جاء كو سلا من خلفه بخطوات غير مسموعة، وسعل سعلة صغيرة لجذب انتباه فلوري. «ما الأمر الآن؟» «إفطار سيدي الكريم أوشك أن يبرد.» «لا أريد أي إفطار. ائت لي بشيء لأشربه؛ جين.»
ماذا حدث للحياة التي كنت أعيشها مؤخرا؟
الفصل الرابع عشر
سلك الزورقان اللذان حملا فلوري وإليزابيث طريقهما في الجدول المؤدي للمناطق الداخلية من الضفة الشرقية لنهر الإيراوادي كما تخترق الإبر الطويلة المعقوفة القماش المطرز. كان ذلك يوم رحلة الرماية؛ رحلة مسائية قصيرة، فلم يكن بإمكانهما البقاء لليلة في الغابة معا. كانا سيقضيان بضع ساعات في الرماية في جو المساء البارد نسبيا، ويعودان أدراجهما إلى كياوكتادا في ميعاد العشاء.
كان الزورقان، المفرغ كل منهما من جذع شجرة، ينسابان سريعا، يكادان لا يتركان أثرا في المياه ذات اللون البني الداكن. كان المجرى مسدودا بنبات الزنبق المائي وأوراقه الإسفنجية الغزيرة وزهوره الزرقاء، حتى إن القناة كانت عبارة عن شريط متعرج عرضه أربع أقدام فقط. وتخلل الضوء الأغصان المتشابكة وقد اكتسب لونا مخضرا. بين الفينة والفينة كان يسمع صياح الببغاوات آتيا من أعلى، لكن لم تظهر كائنات برية، إلا ثعبانا سبح مسرعا بعيدا وتوارى بين الزنابق المائية.
سألت إليزابيث فلوري من خلفها بصوت مرتفع: «كم تبقى على الوصول إلى القرية؟» كان هو وراءها في زورق أكبر، معه فلو وكو سلا، تجدف به امرأة عجوز ذات بشرة متجعدة في أسمال بالية.
سأل فلوري قائدة الزورق: «كم المسافة المتبقية أيتها الجدة؟»
أخرجت المرأة العجوز السيجار من فمها ووضعت مجدافها على ركبتيها لتفكر، ثم قالت بعد تأمل: «المسافة التي تقطعها صيحة رجل.»
قال فلوري مترجما: «نحو نصف ميل.»
نامعلوم صفحہ