میری زندگی کے صفحات (پہلا حصہ)
أوراقي … حياتي (الجزء الأول)
اصناف
في الشرفة البحرية، في بيتنا بالإسكندرية، أجلس أستمع إلى أبي، بيتنا في الدور الأرضي من عمارة عالية ... للشرفة سلالم تقود إلى حديقة خلفية صغيرة لها سور عال، من وراء السور أسمع صوت القطار يأتي من عالم آخر، قويا يرج أرض البيت وأرى الجدران تهتز، هذه الجدران سوف تسقط، أبي قال: إن العمارة كبيرة متينة، لا يمكن أن تسقط، أصدق كل ما يقوله أبي، أحفظ كلامه عن ظهر قلب، أستمع إلى حكاياته كأنما هي الحقيقة، أرمق جسده الضخم، أنا ابنة هذا الرجل القوي الذي ينتصر في كل المعارك. كان أبي يخوض معارك كثيرة، مرة مع صاحب العمارة التي نسكن فيها، ومرة مع ناظر المدرسة، ومرة مع الإنجليز أو الملك أو الألمان أو الأعداء الآخرين، لا أعرف شيئا عن هؤلاء. دخلت المدرسة في الإسكندرية، لا أذكر من المدرسة إلا اسمها، محرم بك للبنات، الشارع الذي نسكن فيه اسمه «محرم بك»، شارع طويل مخيف، يقود إلى الآخرة أو العالم الآخر، أجري من البيت إلى المدرسة، ثم أعود جريا أخشى التوقف في الشارع وإلا خطفني أحد اللصوص.
أسمع الحكايات عن اللصوص، في مدينة الإسكندرية قصة تجري على ألسنة الناس: «ريا وسكينة»، ماتت الاثنتان قبل أن أولد، قصتهما ظلت تعيش لأكثر من نصف قرن، يقبض البوليس على لص أو لصة تسرق طفلا ، فيستعيد الناس ذكرى «ريا وسكينة».
قبل أن أخرج للمدرسة تخلع أمي من أذني الحلق الذهبي الصغير: «ريا وسكينة كانوا بيسرقوا الأطفال اللي لابسين حلقان دهب.» الأطفال ليس لهم قيمة في نظر اللصوص إلا إذا كان حلق دهب في الأذن. في الليل وأنا نائمة أشد الحلق، أحاول أن أخلعه من أذني، له مسمار ذهبي رفيع وقفل صغير يغلق وراء حلمة الأذن، يحتك بالوسادة كلما حركت رأسي، أشده في الصباح ترى أمي بقعة الدم فوق وسادتي، حلمة أذني حمراء متورمة، الثقب حيث المسمار الذهبي ينزف، كنت أظن أنني ولدت بهذا الثقب في أذني، أن كل البنات يولدن بهذا الثقب من أجل أن يدخل فيه الحلق، أرمق أذن أخي بطرف عين، أذنه سليمة بلا ثقب، بلا مسمار يؤلمه في الليل.
عرفت أنها الداية «أم محمد»، المرأة التي أغرقتني في «الطشت» حين ولدت، جاءت بعد أسبوع واحد من ولادتي، بين أصابعها الغليظة الخشنة إبرة طويلة حادة، وضعتها على النار، أصبح لونها أحمر، غرزتها في حلمة أذني. هذه المرأة تكن لي العداء؟! ثأر قديم بينها وبين جنس الإناث؟ تكره نفسها إلى ذلك الحد؟ عيناها السوداوان يكسوهما بريق عجيب وهي تثقب آذان البنات أو بظورهن، مزيج من الفرح والتشفي والانتقام، جسدها السمين يترجرج داخل الجلباب الأسود، تفوح منه رائحة دم قديم وعرق عفن مع رائحة الحناء الحمراء أو السوداء، وصبغة اليود والسبرتو الأحمر واللبان الدكر والبخور والشبة.
تضفر شعرها المصبوغ بالحنة الحمراء ضفيرتين رفيعتين، تربطهما بدوبارة من صوف الماعز أو فروة الخروف، تلفهما داخل منديل أسود، تشده بكل قوتها حول رأسها، تربطه فوق جبهتها على شكل عقدة.
في الجنازات ومآتم القرية أرى النسوة يربطن رءوسهن بالمنديل الأسود، في أول أيام العيد تخرج النسوة لزيارة الموتى في القبور، رءوسهن مربوطة بالمناديل السوداء، فوق جبين كل واحدة منهن العقدة.
العقدة فوق جبين الداية أم محمد لم تكن تشبه أي واحدة أخرى، سوادها داكن، حجمها كبير، لها أربعة أطراف مشرشرة «الأوية» تهتز مع حركة رأسها، تتربع عند منتصف جبهتها مثل عقرب أسود يرمقني بعين واحدة خالية من الرموش.
كنت أسمع صوتها قبل أن تدخل من الباب الخارجي يزعق: يا أهل الدار! تهتف ستي الحاجة منتصبة: «عزرائين جه.» من هو عزرائين؟ مندوب من عند ربنا يهبط من السماء إلى الأرض ليقبض على أرواح الناس دون أن ينتبهوا.
أسمع صوتها فأختفي، منذ ولدت أراها ترمقني بالعين الواحدة المفتوحة كالدائرة لا يطرف لها جفن، تضيق عينها وهي ترمق بطني أسفل البطن، بين الفخذين، لم تكف عن النظر إلى القطعة الصغيرة من اللحم - يسمونها «الظنبور»، (وفي اللغة الفصحى «البظر») - لم تكف عن النظر إليها تستعجل بروزها، كأنما كامنة في اللحم، ما هي إلا نظرة من عينها فتبرز إلى السطح، تمسك الموسى بأصابعها الغليظة الخشنة، تحميه فوق قطعة حجر، يصبح السن أحمر كالنار، تشد البظر بإصبعين تستأصله من جذوره بسن الموسى، تدفنه في حفرة بالأرض، تردمه بالتراب، تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ثلاث مرات، تغسل يديها من الدم في الطشت وتقرأ الفاتحة ثلاث مرات.
تلاوة القرآن على الجرح النازف كصبغة اليود تقتل الجراثيم وتطهر الجروح، التطهير، الطهارة، المرأة المطاهرة هي الداية التي تقوم بعملية «الطهارة» (الختان باللغة العربية الفصحى).
نامعلوم صفحہ