میری زندگی کے صفحات (پہلا حصہ)
أوراقي … حياتي (الجزء الأول)
اصناف
تلك الليلة كانت ستي الحاجة في العاشرة من العمر، لم يدركها الحيض بعد، رقد حبش فوقها وهي تدس الطرحة في فمها تكتم الصراخ، لم يكن للعروس أن تصرخ وإلا لسعتها الخيزرانة، أو ألسنة الجيران، فلا يعود لها أو لأبيها وجه في القرية.
بعد بضعة أعوام، ثلاثة أو أربعة، كما حكت ستي الحاجة، ارتفع بطنها بالحمل، ثم ولدت أبي، تأكدت من العضو بين فخذيه قبل أن تطلق الزغرودة، صارعت حمى النفاس وغلبتها من شدة الفرح، بعد أن انقطع الدم توضأت وسجدت لله شكرا لأنه لم يخذلها ورزقها بالولد.
عاشت ستي الحاجة مع زوجها حبش ثمانية عشر عاما قبل أن يموت، لم يكن لديها سرير نحاسي له أعمدة أربعة، الحصيرة فوق الأرض التراب، حبلت فوقها خمس عشرة مرة، أربعة ذكور وإحدى عشرة بنتا، مات ثلاثة من أبنائها ولم يبق إلا أبي، مات ست من بناتها ولم يبق إلا عماتي الخمس: فاطمة وبهية ورقية وزينب، وأصغرهن نفيسة، كانت ترضع ثدي أمها حين مات أبوها حبش وهو في الثامنة والثلاثين من عمره، مات بالبلهارسيا كأبيه، ينزف الدم مع البول، مرض الفلاحين منذ الفراعنة وعصور العبيد ... بلاء من عند الله كما كانت ستي الحاجة تقول: البلاء الأعظم في نظرها كانت الإحدى عشر بنتا، لم تمت منهن لسوء حظها إلا ست فقط.
تضم أصابعها الخمسة في قبضة قوية تهزها في عين العدو أو الشيطان: خمس بنات، كبة بنات.
حين ولدت ابنتها الحادية عشرة مات حبش من الكمد، حملوه إلى القبر داخل صندوق من الخشب يسمونه التابوت، لم تذرف عليه ستي الحاجة دمعة واحدة، انتظرت حتى توارى جسده في بطن الأرض، فنهضت سخنت صفيحة من الماء واغتسلت، سجدت لله شكرا لأنه خلصها من الزوج، أصبحت أرملة وهي في الثامنة والعشرين من عمرها، ربطت رأسها بمنديل أسود وأقسمت ألا يقربها رجل حتى الموت، كانت قد كرهت جنس الرجال منذ ليلة الدخلة، بل من قبل ليلة الدخلة بأربع سنوات، وهي في السادسة من العمر، حين جاءت الداية أم محمود.
وتتلاشى صورة ستي الحاجة من ذاكرتي، صوتها يسري في أذني من بعيد كأنما من بطن الأرض: «كنت يادوب عرفت أمشي وأروح الغيط وألعب مع العيال لما جاءت الولية اللي ماتتسماش أم محمود الداية الآرحة بنت الغازية، ومسكتني وكتفتني زي الفرخة هي وأربع نساوين، وقالت لي: اسمعي يا بت يا مبروكة، أنا حأقطع لك ظنبورك عشان تبقي طاهرة ونظيفة ليلة الدخلة والعريس ما يقرفش منك، وعشان يا بت ما تجريش ورا الرجالة، ومسكت أم محمود الموسى وسنته على الحجر لما بقى حامي زي اللهلوب، وقلت: خلاص جالك الموت يا بت يا مبروكة، ورقدت فوق الحصير أنزف الدم زي الحنفية لغاية أمي اتشهدت وقرت الفاتحة على روحي ثلاث مرات، وبعد كام يوم ربنا خد بيدي وقمت زي العفريت، أصل البنات زي القطط بسبع أرواح يا بنت ابني، الولد روحه خفيفة والناس تحسده مش زي البنت، وكنت ألبس أبوكي جلاليب البنات عشان ماحدش يحسده، وأعلق في صدره خمسة وخميسة، وكل ليلة أبخره وأرقيه وأقرأ عليه سورة «يس».
وكنت أخبي له الأكل في الجورة جوه الحيطة، وأحلب له اللبن من بز الجاموسة، وأملأ له الصحن قشطة، وفي الفجر قبل ما الشمس تطلع أصحي البنات ونروح ع الغيط مع البهايم نشتغل لغاية الشمس ما تغيب، ونرجع شايلين الزكايب ، ويوم السبت أروح السوق أبيع اللي أقدر عليه، وأحط القرش على القرش لغاية ما يكون عندي في آخر السنة ثلاثة جنيه، ثلاثة كاملين، كل جنيه ينطح أخوه، أخبيهم في صدري لغاية ما يرجع ابني السيد، أناوله الثلاث ورقات صحاح وأقوله: خد يا ضنايا ثلاثة جنيه كاملين أهم، ادفع يا عين أمك تذكرة القطر من بنها لمصر، وادفع مصاريف المدرسة والكتب والكراريس وإيجار الأوضة في القلعة، واشتري لك يا ضنايا جزمة جديدة بدل القديمة المقطعة دي، أيوة أمال، كان لازم أبوكي يلبس جزمة جديدة، ويمشي رافع رأسه، ويدخل الأزهر ودار العلوم كمان، كان لازم يدخل أحسن مدرسة في مصر ويبقى أكبر رأس في البلد، ولا يمكن أبدا يكون فلاح زي أبوه، ولا يموت بالبلهارسيا، ويعيش ويتعلم ويبقى السيد أفندي على سن ورمح، والسيد بيه كمان زي شكري بيه، وليه، وهي البطن اللي ولدت شكري بيه مش زي بطنك يا بت يا مبروكة؟!
وحلفت اليمين وقلت: وحياة ربنا، وحياة النبي محمد، وحياة سيدنا الحسين، والإمام الشافعي، وستنا مريم، لازم ابنك يا مبروكة يا بنت الغزاوية يكون له نصيب في واحدة من بنات شكري بيه، ولا يمكن تموتي يا بت يا مبروكة قبل ما ترقصي في فرح ابنك وليلة دخلته على واحدة من بنات البهاوات أو البشاوات في مصر، وليه لا، ويعني هي البطن اللي ولدت البهوات والبشوات مش زي بطنك يا مبروكة؟»
صوت ستي الحاجة في ذاكرتي رغم مرور السنين، وقامتها الطويلة المديدة الشامخة وهي تمشي في الكفر، تدب على الأرض بقدميها الكبيرتين داخل البلغة الجديدة، وتدق بكفها الكبيرة المشققة المحروقة بالشمس باب العمدة وهي تصيح: «اطلع يا عمدة، كلمني، أنا مبروكة بنت الغزاوية، ورأسي برأس أكبر راجل في البلد.»
مهما حاولت، لا أتذكر ملامح آمنة «أم أمي»، كل ما أذكره منها العينين، بياض العينين كان رمادي اللون، سواد العين أو «النني» لم يكن موجودا! ... كنت أسأل أمي: أين راح «النني» في عين جدتي؟ هل اختفى تحت الجفن أم ذاب في بياض العين؟ كنت أظن أنها عمياء ، لكنها كانت ترى كل شيء وهي جالسة فوق الكنبة في الصالة الكبيرة، رأسها ملفوف بطرحة حريرية بيضاء، بين يديها سبحة صفراء، تتمتم بآيات القرآن، لا تكلم أحدا ولا أحد يكلمها إلا حينما يأتي الخادم يناديها لتتناول الطعام، أو ابنتها فهيمة «الأستاذة فهيمة شكري» حين تعود من العمل ساعة الظهر، تجلس إلى جوارها بضع لحظات، يدور بينهما حوار أشبه بالصمت: إزيك يا نينة النهاردة؟ - نحمده يا بنتي. - أيوة يا نينة نحمده. - نحمده على كل شيء يا فهيمة. - نحمده يا نينة، ولا يحمد على مكروه سواه. - أيوة يا بنتي، لا يحمد على مكروه سواه.
نامعلوم صفحہ