أترى يا عزيزي مصائب الدنيا نوعا من الحبيبات في بعض وجوه الشبه واتحاد الغاية ومطابقة الحكمة؟ ... لك فلسفتك، ولكني أرجو أن لا يكون أنا الموحية إليك بهذا المعنى ...
الألم في الحب والألم في المصائب: كلاهما أسلوب إلهي رحيم على قدر ما هو عنيف، يؤتي من القوة بمقدار ما يبتلي من الضعف، وينتهي إلى السعة في الروح كما يبتدئ بالضيق في الحاسة، وينشئ فينا مع النظرة المتألمة أو المتحزنة أو المتكسرة نظرات أخرى، منها النظرة المفكرة والشاعرة والمتحدثة في صمتها واسترسالها بأسرار عالية كانت معانيها من السمو الروحي؛ لأن لغتها من الأوجاع والأحزان!
ذلك الأسلوب القاهر لا يزال يتقصى بالوجيعة، ويتتبع بالشدة حتى يخرج من الإنسان الموهوب ما تخرج حبة الرمل من حيوان الصدف حين تندس بخشونتها في لينه، وتنغرز في لحمه إبرة حياة فإذا تاريخ ألم طويل حي لا يزال يستخرج ما يكونه حتى يلتف ويتغشى ويستكمل، ثم تكنز منه الطبيعة كنزها، فإذا أنت من حبة الرمل بحبة لؤلؤ ... •••
شاعرنا الفرنسي هذا يشبهك يا صديقي شبها تاما، حتى كأن التاريخ يعيده فيك، مملوء من كبرياء العقل وكبرياء الغضب على الحياة، فليس يراه أحد في وقت يكون فيه مع الأشياء ... إلا حسبه - لاهتياج نفسه وعنفوانه - كأنه خارج لتوه من عراك أو خصام ...!
لقد قلت لي يوما: إذا كلمتك عن خصومك والمفترين عليك من حاسديك، إن عداوة الأعداء مهما كثروا ينسيها حب حبيب واحد، ولكن عداوة حبيب واحد لا تنسيها صداقة الأصدقاء مهما كثروا.
فشاعرنا هذا ... دائما يرى كأنه به عداوة حبيب، ومذهبه هو مذهبك بعينه، هو أن الحب الذي هو في جملته أعلى الصداقة، هو في أشياء كثيرة إلف العداوة أيضا
2 ... •••
ولنرجع إلى الكتاب.
أتذكر إذ التقينا وليست بيننا شابكة، فجلسنا مع الجالسين لم نقل شيئا في أساليب الحديث، غير أننا قلنا ما شئنا بالأسلوب الخاص باثنين فيما بين قلبيهما؟
وشعرنا أول اللقاء بما لا يكون مثله إلا في التلاقي بعد فراق طويل، كأن في كلينا قلبا ينتظر قلبا من زمن بعيد؟
نامعلوم صفحہ