فإن كتابنا خالص للجمال بذاته، واقع من الحب في خاص معانيه، ولقد كانت حوادث صاحبنا في حبه كالسحب الرقيقة في سماواتها، عمر ساعة من الشفق، وتأتي وعليها ألوانها الإلهية أصباغا واقعة كما تتفق، ثم لا يكون الجمال والتناسب مع ذلك إلا كما تتفق، فكذلك نشأت رسائله من وحي القلب وروحانيته، تموج بمعانيها وتتبرج في معارضها، ولعمري لمن كتب في الحب والجمال بقلم لقد كتب صاحب هذه الرسائل بقلب؛ ولو تحيا الابتسامة والدمعة لكانتا سرور ذلك الحب وحزنه كما وقعا في حياة الكاتب وأيامه من صاحبته، فهما لا يتجاوزان البث والتشاجي، وتباريح الصبابة، وتسليم الابتسامة على الابتسامة، ومغاضبة الدمعة للدمعة، ولكليهما من روح صاحبه داع ومجيب، وعلى ما طال بينهما من زمن الحب فهي كأنها لم تزد له على أن سنحت مسح الغزال وولت ... •••
وكان القدر ينقي حوادث هذا الغرام كما تنقى المدرة من الحب
14
بأصابع دقيقة تحت عينين مبصرتين؛ فكانت النفس فيه مع جمحاتها كالفرس تترامى في عنانها مخلى لها الطريق، ولكن أمر الطريق لها، ونهيه في العنان الذي يلجمها، وظلمات الحب في بعض النفوس المختارة كظلمات الليل في بعض الليالي: هذه لها القمر وتلك لها الفضيلة.
وما أحسب حب هذا الشاعر وتلك الشاعرة قد كان في كل حوادثه إلا تأليفا من الأقدار لهذه الرسائل بمعانيها، حتى إذا كسيت المعاني ألفاظها، انبثقت كالنور، وصدحت كالنغم، وجاءت كإشراق الضحى؛ لتناسم الأرواح
15
بعبارات صافية من روح قوية فرض عليها أن تحب، فلما أحبت فرض عليها أن تتألم، فلما تألمت فرض عليها أن تعبر؛ فلما عبرت فرض عليها أن تسلو ...!
وزدت أنك أنت
تالله لو جددوا للبدر تسمية
لأعطي اسمك يا من تعشق المقل
نامعلوم صفحہ