فقرصها في صدرها بخفة وقال: أنت تاج رأس الفتوة.
ومد يده إلى ما وراء الصينية فتناول إبريقا وهو يقول: بوظة عجيبة!
فقالت آسفة: لها رائحة قوية قد يشمها زوجي العزيز!
فتجرع من الإبريق حتى روي، ومضى يرص الحجر وهو يقول مقطبا: يا له من زوج! لمحته مرات وهو يهيم على وجهه كالمجنون، أول كودية زار من جنس الرجال في هذه الحارة العجيبة!
فتابعته وهو يدخن وقالت: إني مدينة له بحياتي، لذلك أتصبر على معاشرته ، ولا ضرر منه؛ إذ ليس أيسر من خداعه.
وقدم إليها الجوزة فالتقمت فوهتها بشوق وشدت أنفاسا بشراهة ثم زفرت الدخان مغمضة العينين ثملة الحواس. وراح بدوره يدخن، فيأخذ أنفاسا متقطعة وبين كل نفس وآخر يتكلم قائلا: تتركينه .. يعبث .. بك .. عبث .. الأطفال ...
فهزت منكبيها هازئة وقالت: لا عمل لزوجي في هذه الدنيا إلا تخليص الفقراء من العفاريت! - وأنت ألا تخلصينه من شيء؟ - مظلومة وحياتك! نظرة واحدة إلى وجهه تغني عن الكلام. - ولا مرة كل شهر! - ولا كل سنة، إنه مشغول عن زوجته بعفاريت الناس! - فلتركبه العفاريت! وأي فائدة يجنيها من وراء ذلك؟
فهزت رأسها في حيرة وقالت: لا يجني شيئا، ولولا أبوه لهلكنا جوعا، وهو يعتقد بأنه مكلف بإسعاد الفقراء وتطهيرهم. - ومن الذي كلفه؟ - يقول إن هذا ما يريده الواقف لأبنائه.
وتجلى الاهتمام في عيني بيومي الضيقتين فوضع الجوزة في الكوز وسألها: أقال إن الواقف يريد ذلك؟ - نعم. - ومن أدراه بما يريد الواقف؟
وشعرت المرأة بضيق وانزعاج، وخافت أن يفسد الجو، أو أن تحدث أمور خطيرة، فقالت: هكذا يؤول أقواله التي يتغنى بها الشعراء.
نامعلوم صفحہ