اگسٹینوس: ایک بہت ہی مختصر تعارف
أوغسطينوس: مقدمة قصيرة جدا
اصناف
شارك أوغسطينوس أفلوطين في بغضه لفكرة أن الشيء المعروف متمايز بالكامل عن الذات العارفة وخارج عنها لدرجة أنه في فعل المعرفة لا يوجد عنصر شخصي مهم. يرتبط عنصر الوعي بالذات بمعرفتنا بالعالم الخارجي، والذات الشخصية لا يجوز استبعادها؛ فإذا كنت تعرف شيئا، فأنت تعرف أيضا أنك أنت الذي يعرف ذاك الشيء؛ ولذا، فإن فكرة أن الفهم يتطلب حبا كي يحقق غايته تمتزج من هذا الطريق مع علم اللاهوت. عبر أوغسطينوس عن هذه الفكرة على النحو التالي: كل البحث والتقصي في مسألة كيفية معرفتنا للرب تتلخص في السؤال التالي: «ما مفهومنا للحب؟» (الثالوث). إن حب الخالق كامن في عقل المخلوقات العاقلة وإرادتهم (الثالوث). «إننا نقترب إلى الرب لا بالمسير بل بالحب.» «ليست أقدامنا هي التي تقربنا إليه بل طبيعتنا الأخلاقية. ولا يتم تقييم الطبيعة الأخلاقية بما يعرفه الإنسان بل بما يحبه» (الرسائل).
وعلى ذلك، فالمسار السلبي الذي يحيط فكرة الرب بصفات سلبية حصرا ليس السبيل الوحيد. لا شك أننا نستطيع أن ننفي عن الرب ما ليس من ماهيته أكثر من قدرتنا على تحديد ماهيته (شروحات المزامير). لكن، على الأقل جهلنا جهل مطلع (الرسائل). ولغة المؤمن تتذبذب ما بين الثقة والاستحياء. هنا نسب أوغسطينوس مفارقة لنفسه عثر عليها في أعمال فرفوريوس. إن التدبر في الرب تجربة تتجاوز التفكير، «وهذه الأشياء بطريقة ما تعرف من طريق عدم المعرفة؛ لذا، وبهذا النوع من عدم المعرفة، يدرك غموضها» (مدينة الله؛ الاعترافات، الكتاب الثاني عشر).
ألف أوغسطينوس أطروحة «حول الدين الحق» لأجل رومانيانوس، صاحب العقارات الثري بمدينة طاغست الذي سبق أن كان مصدر التمويل الأساسي لتعليم أوغسطينوس، وهداه الأخير في شبابه إلى المانوية، وكان على أوغسطينوس أن يهديه مجددا ويعيده إلى الكاثوليكية. وكانت الأطروحة تتمتع بنبرة معادية للمانوية، لكنها كانت مميزة في المقام الأول لاحتوائها على أفكار أفلاطونية حديثة داخل إطار مسيحي وكاثوليكي بقوة. وكانت حجته تفرد الكنيسة الواحدة، «الكنيسة الكاثوليكية» تلك التي تقر وتعترف حتى الطوائف المنافسة بتفردها («سلهم أين الكنيسة الكاثوليكية في مدينة ما؟ حتى هم لن يتجرءوا على دعوتك إلى اجتماعاتهم السرية الخاصة»). وصكوك ملكية هذه الكنيسة الواحدة تكمن في تاريخ مقدس مسجل في الكتاب المقدس. ومذاهبها مثبتة بموجب اتساقها مع المنطق (أي مع الأفلاطونية).
إن الاتساق ما بين العقيدة والمنطق رآه أوغسطينوس في حقيقة أنه إذا استبعد الإقرار بالطقوس الشركية من الأفلاطونية، لكانت تلك الفلسفة قريبة جدا من المسيحية، لدرجة أنه «بتعديل بعض الكلمات والآراء، يمسي كثير من الأفلاطونيين مسيحيين» (حول الدين الحق). من الممكن دمج فكرة الأفلاطونيين الحداثيين عن هرمية الوجود ودفاعهم عن العناية الإلهية بشكل نظامي في الإطار المسيحي، وغاية التقليد الأفلاطوني هي نفسها التي أتاحها المسيح. ولذلك، يعرف محتوى الخلاص بالسعادة، والأمان الداخلي الذي يتأتى بينما تحيد الروح عن الكبر والشغف والكثير من الملهيات، وتسمو نحو الواحد، والعقل المحض وباتجاه الرب الذي نتلاقى معه في تواضع المسيح. لقد ظن أوغسطينوس أن المسيح قادر على أن يجلب الخلاص لأنه الرب والإنسان في شخص واحد. والرب-الإنسان هو السبيل والسلم الذي يمكننا بواسطته الرب من الارتقاء من المؤقت إلى السرمدي. وهو الدرب والغاية في الوقت نفسه، وهو سلم يعقوب. وبمعرفة ابن الإنسان في التاريخ، يجوز أن نفطن لحكمة الرب الخالدة (الثالوث). وهو نموذج وهبة، وهو قدوتنا وكفارتنا؛ وهو الوسيط الذي لم يكن لدى فرفوريوس حيز له، ولو أنه استضاف عددا كبيرا من الوسطاء الآخرين الأدنى منزلة والأقل شأنا. في البداية، يبدأ المؤمنون بنموذج المسيح الإنسان الذي كلمته بمنزلة «غذاء الروح»؛ لكن المسيح يرفع إلى مستواه الحقيقي كل من يطيعه ويضع ثقته فيه (الاعترافات، الكتاب السابع). يصف الكثير من نصوص أوغسطينوس بجرأة الخلاص ب «التأليه»، وهي كلمة مشتركة أكثر شيوعا لدى علماء اللاهوت اليونانيين من اللاهوتيين اللاتينيين القدماء. لكن اللغة غالبا ما تكون مقيدة: «فأن تكون الرب شيء وأن تشارك فيه شيء آخر» (مدينة الله). ولا يمكننا الجزم بأننا «في الحياة الأخرى سنتغير ونتحول إلى مادة الرب ونصبح مطابقين له، كما يزعم البعض» (حول الطبيعة والنعمة الإلهية
De natura et gratia ). والمقصود أننا «نتحد مع الرب بالحب» (حول أخلاق الكنيسة الكاثوليكية وأخلاق المانويين
De moribus ecclesiae catholicae et de moribus
Manichaeorum ).
لم يسع بعض معاصري أوغسطينوس ممن فقدوا كل إيمانهم بالأرباب القديمة وراء أي بديل لها بالتطلع إلى المسيحية. ووصفهم أوغسطينوس بأنهم ينكرون كل الأديان على اعتبار أنها مجرد خرافات آسرة، وأرادوا أن يشددوا على حرية الفرد وسيادته كربان لروحه في رحلته في بحر الإيمان. وكان تعليق أوغسطينوس (الذي كان قاسيا أكثر منه صحيحا) أن التأكيد على الاستقلال الرائع سيكون أكثر إبهارا لو لم ينته المطاف بالذين يزعمون أنهم تخلصوا من أصفاد كل الأديان إلى أن يجدوا أنفسهم في الأسر. وقد تتمثل عبوديتهم الأنانية في الإمتاع والراحة الجسديتين، أو الطموح المحض للسلطة والثروة، أو - في حالة النخبة المثقفة - السعي اللانهائي وراء تلك المعرفة الدنيوية التي لا تنعقد الآمال قط على أن تكون أكثر من مجرد كونها نسبية، والتي تميل إلى التذوق الفني. (أثرت الأفلاطونية أيضا التي لم تشجع أوغسطينوس كثيرا على الاهتمام بالعلوم الطبيعية فيه واصطدمت بفكرة أرسطو القائلة بأنه يجوز السعي وراء المعرفة لذاتها. لقد اعتبر أنه من البديهيات أن تكمن المهام الرئيسية للفلسفة في المنطق والأخلاق.) «يكون الإنسان أسيرا للشيء الذي يأمل أن يجلب له السعادة» (حول الدين الحق). والتوق لسعادة حقيقية هي النقطة التي يكتشف عندها الإنسان الرب بداخله (يلاحظ المرء هنا الامتزاج ما بين محاورة هورتنسيوس وفرفوريوس). «لا تخرج عن ذاتك»، ولو حتى بالنظر إلى العالم الخارجي بكماله الرياضي؛ ولكن عد إلى شخصيتك الخاصة. إن العقل مرآة تعكس الحقيقة المقدسة، لكنه متقلب؛ ولذا، «تجاوز ذاتك» واسع وراء أساس ثابت وسرمدي للوجود كله، وحينئذ ستكتشف أن «خدمة الرب هي الحرية المثالية» (حول الدين الحق).
ويتقاطع مع نزوع الأطروحة إلى ما هو عمومي في الطبيعة وفي المنطق فكرة مختلفة كليا؛ ألا وهي التأكيد على الغاية المقدسة في التاريخ. وتختزل هذه الفكرة في النقائض الإنجليزية بين الحنطة والزوان، والعجوز والشاب، والخارجي والباطني. هناك «نوعان من الناس». إن هذه الازدواجية تتناول الوجود الغامض، في مجتمع مغترب وعلماني، لأناس ربانيين مستترين. وبهذه الطريقة، أمسى التباين الأفلاطوني ما بين الحس والعقل مندمجا مع الفكرة الرئيسية المستخلصة في نهاية المطاف من سفر الرؤية الإنجيلي. وهذه الفقرة (حول الدين الحق) هي أول ذكر لفكرة سيشدد عليها أوغسطينوس إلى أقصى حد ممكن لاحقا. بعد عشر سنوات، أمسى نوعا الناس «حبين» ومدينتين، بابل والقدس. وبعدها بأكثر من عشرين عاما، أمسى مذهب المدينتين أساسا لواحدة من أعظم أعمال أوغسطينوس؛ ألا وهو «مدينة الله».
كان هناك خلاف بين الباحثين حول المصدر أو الحافز الذي جعل تلك الفكرة مهمة لأوغسطينوس. أكانت بقايا الازدواجية المانوية بصراعها الكوني ما بين النور والظلام وما بين الرب وأمير الظلام؟ ثمة بديل بدا أكثر معقولية بكثير لأغلب العلماء؛ ألا وهو الانطباع العميق الذي تركه على أوغسطينوس تايكونيوس اللاهوتي المحسوب على الدوناتيين الانشقاقيين الذين انشقوا عن زملائه إذ آمنوا بأن الكنيسة الحقة يجب أن تكون عالمية. ولقد قربته أفكاره جدا من الكاثوليكيين المكروهين لدرجة أنه حرم كنسيا. ولم ينضم إلى المجتمع الكاثوليكي لأسباب لا يمكن إلا أن نستنبطها؛ على سبيل المثال، أن التحول في الولاء الفردي يمكن أن يعوق التقارب المؤسسي. ألف تايكونيوس «كتاب القواعد» - لا يزال باقيا - لتفسير الكتاب المقدس، كما ألف مقالا يعلق فيه على رؤيا يوحنا تدلل الشذرات المتبقية منه على أن التباين ما بين مدينتي بابل والقدس كان مهما بالنسبة إليه.
نامعلوم صفحہ