قالت أوليفيا: «لا شيء. لا شيء. أنا كما كنت دائما، كل ما هنالك أنني الليلة انتهيت من الطاعة العمياء وقول «نعم، نعم» لكل شيء، وانتهيت من التظاهر الدائم، حتى نتمكن جميعا هنا من الاستمرار في العيش بهدوء في حلمنا ... مؤمنين دوما بأننا أعلى شأنا من أي شخص يعيش على هذه الكرة الأرضية، وأنه بسبب كوننا أغنياء فنحن أصحاب نفوذ وأبرار، وأنه بسبب ... أوه، لا جدوى من الكلام ... أنا تماما كما كنت دائما، كل ما هنالك أنني الليلة جاهرت بمكنون صدري. جميعنا هنا نعيش في حلم ... حلم سيتحول يوما ما إلى كابوس. عندها ماذا سنفعل؟ ماذا ستفعل أنت ... والعمة كاسي والباقون؟»
في غمرة انفعالها توردت وجنتاها ونهضت فجأة، بقامتها الطويلة وجمالها، متكئة على رف المدفأة؛ لكن زوجها لم ينتبه إليها. بدا شاردا في تفكير عميق، واتخذت ملامح وجهه تعبيرا يدل على التركيز بتجهم.
بعد قليل قال: «أعلم ما حدث. إنها سابين. ما كان ينبغي أن تعود إلى هنا أبدا. دائما ما كانت هكذا ... تثير المتاعب ... حتى عندما كانت طفلة صغيرة. لقد اعتادت على مقاطعتنا أثناء اللعب بقولها: «لن ألعب لعبة البيت. من يمكن أن يتصف بالحماقة لدرجة التظاهر بأن المياه الموحلة أرجوانية داكنة! إنها لعبة سخيفة.»» «هل تقصد أنها تقول ذلك مرة أخرى الآن ... إنها لعبة سخيفة أن نتظاهر بأن المياه الموحلة أرجوانية داكنة!»
أشاح بوجهه دون إجابة، وبدأ مرة أخرى يسير فوق الورود الكبيرة الباهتة المرسومة على السجادة الفيكتورية الطراز. بعدها قال: «لا أعرف ما الذي تلمحين إليه. كل ما أعرفه أن سابين ... امرأة شريرة.» «هل تكره سابين لأنها صديقة لي؟»
لقد لاحظت على مدار سنوات عديدة أنه يكره صديقاتها، ويدبر لأن يتخلص منهن بطريقة ما، وأن يمنعها من رؤيتهن، ويجبرها على حضور حفلات العشاء الكثيرة التي تقام بمنازل الرجال الذين يعتبرهم موضع ثقة، الرجال الذين درسوا بنفس كليته وينتمون إلى ناديه، الرجال الذين لن يفعلوا أبدا أي شيء غير متوقع. وفي النهاية، كانت تفعل دائما ما يريده منها. ربما كان ذلك تعبيرا عن استيائه من كل أولئك الذين لم يكن يستطيع فهمهم بل وحتى (كما ظنت) كان يخشاهم قليلا؛ تصرف رجل لن يسمح للآخرين بالاستمتاع بما لا يمكنه أن يستحوذ عليه. كانت هذه المرة الأولى التي تتحدث فيها عن هذا المسلك الذي يماثل المثل الشهير عن الكلب في المذود الذي يرفض أن تأكل الخيل القش الذي لا يمكنه هو أن يأكله، لكنها وجدت نفسها غير قادرة على التزام الصمت أكثر من ذلك. شعرت وكأن قوة خارجية قد استحوذت على جسدها. كان لديها إحساس غريب بالخزي في نفس اللحظة التي تحدثت فيها، بالخجل من صوتها، الذي كان متوترا وهيستريا قليلا.
وكان هناك شيء غريب أيضا في مشهد آنسون وهو يتحرك جيئة وذهابا في الغرفة القديمة المليئة بالهدايا التذكارية الدالة على ذلك الوقار المتفسخ الذي يحيط به نفسه ... بخطوات تنطوي على الخيلاء يبدو فيها كل إجحافه، ومظانه وخرافاته. والآن كانت أوليفيا قد أزاحت الستار عن الحقيقة بمنتهى القسوة مسلطة الضوء عليها.
قال بمرارة: «يا لسخافة ما تقولين!»
تنهدت أوليفيا. وقالت: «كلا، لا أظن أن كلامي سخيف ... أظن أنك تعرف بالضبط ما أقصده.» (كانت على دراية تامة بالحيلة التي تمارسها العائلة، المتمثلة في التظاهر بعدم فهم أي عبارة صادقة ومزعجة بالنسبة إليهم.)
لكنه رفض الرد على قولها هذا أيضا. وبدلا من ذلك، التفت إليها، أكثر شراسة وانفعالا مما رأته في أي وقت مضى، وثائرا جدا لدرجة أنه بدا للحظة وكأنه يتمتع بوميض باهت من القوة والكرامة. قال: «ولا يعجبني المظهر الغريب لابنتها، التي جابت معها العالم وملأت عقلها بالأفكار الهمجية.»
عند النظر إليه وسماع نبرة صوته خطرت لأوليفيا فكرة مفاجئة فسرت مسار محادثتهما بأكمله، بل وفسرت في الواقع كل السنوات التي قضتها هنا في منزل عائلة بينتلاند أو في المنزل الحجري الضخم البني اللون في شارع بيكون ستريت. عرفت فجأة ماهية ما أخاف آنسون والعمة كاسي وعالم العائلة المعقد بأكمله. كانوا يخشون أن تنهار أسس وركائز وجودهم تاركة إياهم بلا حول ولا قوة، وينكشف كبرياؤهم وغرورهم، ويجردوا من كل القوانين وأشكال الإجحاف التي ابتدعوها لحماية أنفسهم. ولهذا السبب كرهوا أوهارا، الرجل الأيرلندي، الذي يتبع الكنيسة الكاثوليكية الرومانية. فقد كان يهدد أمنهم. وكان انكشافهم هكذا سيكون كارثة، لأنه في أي عالم آخر باستثناء عالمهم، في عالم يقفون فيه دون حماية كل تلك الأموال الموجودة في صناديق ائتمانية مستقرة، لن يكون لهم أي وجود على الإطلاق. سيظهرون فجأة على حقيقتهم.
نامعلوم صفحہ