أطياف الربيع
أطياف الربيع
تأليف
أحمد زكي أبو شادي
تصدير
هذا النوع من الشعر يحتاج إلى شيء من البيان، وطريقة صديقي الدكتور أحمد زكي أبو شادي خليقة بإيضاح وإن قل.
فاجأ هذا الطبيب الشاعر الأديب السليقة العربية مفاجأة جاوز بها جرأة المجترئين على التجديد من قبل، لم يرع أن تلك السليقة بطيئة في تحولها، حريصة على مألوف يسرها ويرضيها، وما زالت متشبعة باقتناعها أن فيه الكفاية والغناء عن كل ما سواه. ورجل كأبي شادي خلق رقيق الشعور نهاية الرقة، نزوعا إلى الأدب بجماع جوانحه، حتى إن تعلمه الطب مع ما تتناوله فروعه الكثيرة من المزكونات الطبيعية، وتبحره في مدارسة الكيمياء ومفاعيلها العجيبة، وتوفره بلا انقطاع على البحث في العوالم الحسية الصغرى من حية وجامدة؛ تلك العوالم التي تستغرق ذهن إنسان وتشغل قلبه بعجائبها عن كل شغل آخر، هذا الرجل لم يصدفه انصراف عقله الواسع الأيد إلى تلك الكائنات يبلغ في إحاطته بدقائقها وجلائلها مبلغ الاجتهاد والاستنباط عن أن يجنح بقلبه جنوحا مطلقا من القيود إلى تلك العوالم المعنوية المتناهية في الصغر والكبر، المختلفة ضروب الاختلاف، المحيطة بألوان الجمال الشاملة مواقع الحقائق من الطرب واللذة في النفوس، كشمولها مواقع الأوهام الجميلة - أليمة كانت أو سارة - من الطرب واللذة في النفوس.
قرأ أبو شادي الشعر عربيا فأشجاه، وقرأه إفرنجيا فأشجاه، وطالع التواريخ ومنها بخاصة أصول الأدب الإغريقي، وقارن بين متباين المذاهب في البيان؛ سواء أكانت تلك المذاهب خيالية وجدانية لا تعدو حكايات حال عن النفس كما هي في لسان الضاد، أم خيالية وجدانية موضوعية أساس الجمال فيها بناؤها على الحق أو الواقع أو ما يتشبه بهما كما هي في اللغات الإفرنجية، وعلى أثر هذه المطالعات وجد أبو شادي في نفسه باعثا شديدا على وجهة فنية جديدة يوليها شطره؛ فأحدث في العربية شعرا سلسا بألفاظه، قريب المأخذ بسهولته، سليما بلغته جهد ما تسعه المعاني العصرية، متقيدا بأوزانه ، ولكن تقيد الموشك أن يعمد إلى الافتكاك من كل ثقيل الكلفة فيها، وعمر أبيات منظوماته بمعان تاريخية متشعبة المصادر، وصور جديدة من كل لون وضرب، وأفكار في الجمال آخذة من كل مأخذ شرقي أو غربي.
فهل كان لهذا الإحداث - وسليقتنا كما وصفناها - أن يمهد لشعره ممهدات القبول عندنا قبل أن تتسع دوائر العرفان وتتنوع المطالعات ويختلف الرأي عما هو عليه في الجمال ووسائل إظهاره وأساليب التعبير عنه؟
لم توجد تلك الممهدات فيما قبل إلا قليلا، ولكنها تتكاثر اليوم على قدر ما يتسع نطاق وقوفنا على المجهودات الفكرية، متأثرا بطغيان الأدب الفرنجي على أدبنا فيما نتصفح من الكتب الأصلية أو المترجمة، وبما تدفعنا إليه المستحدثات دفعا لا يقاوم من تفهم الطرائف الفنية والبيانية واستحبابها على وجوهها التي لم يكن لنا بها عهد فيما سلف.
نامعلوم صفحہ