وأبصرنا في فناء كبير في ضيعة قديمة تهدم معظم بيوتها بيادر من حبوب حصدت من زمن قريب، وسرني أن رأيت الحبوب قد حملتها العربات إلى الحقول، فهي هنا يستطاع دراسها في عشرة أيام أو اثني عشر يوما إذا وجدت من يعمل فيها بجد، ولم أجد ما يسرني غير هذا، فقد كان كل ما شاهدته في حال من الإهمال والاضطراب يرثى لها.
شاهدت كميات كبيرة من العدد والآلات مبعثرة في العراء، قذرة معطلة يعلوها الصدأ بعد أن كان أصحابها من قبل يعنون بها كما يعنى الإنسان بالجواهر الثمينة، وشاهدت أبقارا وخيلا عجافا تغطيها فضلاتها وتتجول في الفناء، ورأيت أسرابا من الدجاج والإوز والبط تحفر في البيادر غير المدروسة، وذهبنا إلى الإصطبلات فرأينا الخيل تغوص إلى ركبها في الأقذار «تقرأ الصحف» كما يقول الفلاحون حين تقف الماشية على مذاودها الخالية من الطعام ، ولم تكن الأبقار التي في الجرن أحسن حالا من الخيول.
وهالني ما رأيت، فقد كانت هذه حال لا تتفق وطبيعة مواطني من الفلاحين الأوكرانيين.
وقلت لرئيس المزرعة الجماعية وأنا غاضب أشد الغضب: «اجمع أعضاء المزرعة الجماعية على الفور.»
ولم تمض إلا ساعة حتى كان الجميع من الرجال والنساء المنوطين بأمر المزرعة الجماعية حاضرين في الفناء، ولم تكن نظراتهم إلينا مشجعة، وكأني بهم يقولون: «ها هو ذا شخص آخر يتدخل فيما لا يعنيه. وماذا نستطيع أن نفعل أكثر من الإنصات إلى ما يقول؟»
وأردت أن أظهر لهم المودة فبدأت حديثي بقولي: «كيف تسيرون في عملكم أيها المزارعون الجماعيون؟»
فرد علي واحد منهم بصوت جاف شكس: «كما ترانا، كما ترانا. لا نزال على قيد الحياة كما ترانا.»
وقال ثان: «ليس بيننا غني وفقير بل كلنا معدمون متسولون.»
وتظاهرت بأني لم أفهم هذا التهكم. «لقد أوفدتني إليكم لجنة الحزب الإقليمية لأعاونكم على دراس محاصيلكم، وإصلاح آلاتكم، وتنظيم أموركم بوجه عام، خبروني أيها الزراع الجماعيون، من الذي اختار رئيس هذه المزرعة؟»
فأجاب أعضاء اللجنة الإدارية: «نحن كلنا.» - «ولم إذن تسببون له المتاعب؟ ألا تعلمون أن تبعة هذا الاضطراب كله ستلقى عليه؟ انظروا إلى ما حولكم، ألا تستحون وأنتم الفلاحون مما ترون؟ ماشية قذرة وبيادر لا تجد من يحرسها، وآلات قيمة في كل مكان تصدأ وتتلف، إن من أسهل الأمور أن يسجن رئيسكم بسبب هذا كله وأن يسجن معه أعضاء اللجنة الإدارية أيضا.
نامعلوم صفحہ